وأما إِذا كان الصواب راجحًا فلا يمنع، وإليه أشار بقوله:"فإذا ظن الصواب لا يمنع"، فالعَقْل يقضي بالعمل عند ظنّ الصواب، وإن أمكن الخطأ، وإلا لتعطّلت أكثر المَصَالح؛ فإن الجزم متعذّر في الأكثر.
"قالوا: قد علم الأمر بِمُخَالفة الظَّن، كالشَّاهد الواحد، والعَبِيد، ورضيعة" اختلطت، واشتبهت "في عشر أجنبيات"، حيث يحرم مع قيام الظَّن بصدق العدل الواحد، والعبيد الأَتْقِيَاءِ، وأن المنكوحة غير الرَّضِيعَةِ، وكذلك ما لا يُحْصَى في الشريعة من ظنون لا تعتبر.
"قلنا: بل علم خلافه، كخبر الوَاحِدِ، وظاهر الكتاب، والشهادات وغيرها"، كحكم القاضي، وفتوى المُفْتِي، واجتهاد المجتهد في المَاءِ، والثوب، والقِبْلَةِ، وقِيَمِ المُتْلَفَاتِ، وما لا يُحْصَر، بحيث لا يشكّ البادئ في الفقه أنّ الصور التي يترك فيها العمل بالظَّن قليلة جدًّا بالنسبة إِلى الصور المعمول بالظَّن فيها "وإنما منع" من العمل بالظَّن فيها، "لمانع خاص".
وفي قوله:"لمانع"، إشارة إِلى أن الأصل العمل بالظُّنون في الفروع، وخالف قوم في ذلك، وتظهر فائدة الخلاف في مكان يشكّ هل يكتفي فيه بالظن؟.
فمن يقول: الأصل العمل بالظَّن، يكتفي فيه، جريًا على الأصل، ومن يمنع، يتوقّف.
الشرح: واحتجّ: "النظام" بأنه: "إِذا ثبت ورود الشَّرْع بالفرق بين المتماثلات، كإِيجاب الغُسْل وغيره"، كالمنع من قراءة القرآن "بالمَنِيّ دون البَوْلِ، وغسل بول الصَّبية، ونَضْح بول الصبي، وقطع سارق القَلِيل دون غَاصِب الكثير، والجَلْد بنسبة الزنا دون نسبة الكُفْر، والقَتْل بشاهدين دون الزِّنَا، وكعِدَّتي الموت والطلاق"، فالأولى بالأشهر، والثانية بالأَقْرَاء لذات الأَقْرَاء.