للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الشارع بالرق الذي هو في الأصل جزاء الكفر.
٦ - وأما قطع السارق دون المختلس والمنتهب والغاصب؛ فلأن السّارق ينقب الدار ويهتك الحرز ويكسر القفل، ولا يمكن صاحب المتاع الاحتراز منه بغير ذلك، فلو لم يشرع قطعه لكثرت السرقة وعظم الضرر، بخلاف المختلس والمنتهب والغاصب، فإن المختلس يأخذ المال على حين غفلة من مالكه من حرز مثله، فالمالك هو المفرط؛ إذ لو تيقظ وتحفظ لما مكّن المختلس من ماله والمنتهب يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه، ويخلصوا حق المظلوم أو يشهدوا له عند الحاكم، والغاصب بغير انتهاب واختلاس وسرقة كجاحد الوديعة ومزور العقد ونحوهما يمكن الاحتراز منه بالإشهاد على الوديعة وكتابة العقد والشكوى عند الحاكم، فهؤلاء جميعًا لا يعاقبون بالقطع؛ لإمكان الاحتراز عنهم بخلاف السارق، فالتفرقة بينه وبينهم تفرقة بين مختلفات لا متماثلاث.
٧ - وأما قطع اليد في ربع دينار وجعل ديتها خمسمائة دينار أو خمسين من الإبل، فهما حكمان في غاية الحكمة؛ إذ في الأول احتياط للأموال أدى إلى إهانة سارقها وقطعه في هذا المقدار الضئيل ليأمن الناس شره، وفي الثاني احتياط للأطراف أدى إلى تغريم الجاني عليها هذا المقدار الكبير؛ لئلا يستهين بغرامة الجناية إذا كانت قليلة، فيعيث في الأرض فسادًا، فيد السارق ويد المجنى عليه ليستا متماثلتين؛ بل الأولى يد ظالم، والثانية يد مظلوم، فالتفرقة بينهما تفرقة بين مختلفين لا متماثلين.
وقد أورد بعض الزنادقة هذا السؤال شعرًا فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت … ما بالها قطعت في ربع دينار
وأجابه الفقهاء بأجوبة من النثر والشعر لا تخرج عما قلناه، ومنها ما روى عن الإمام الشافعي أنه أجابه بقوله:
هناك مظلومة غالت بقيمتها … وها هنا ظلمت هانت على الباري
٨ - وإما إيجاب ثمانين جلدة على من قذف غيره بالزنا دون من قذفه بالكفر؛ فلأن الزنا يفارق الكفر من جهتين:
"إحداهما أنه يقع في الخفاء غالبًا دون الكفر، فمن قُذِف بالزنا حامت حوله الشبهة؛ إذ ليس لدى الناس مانع من تصديق القاذف، فكان الحد من الشارع زاجرًا له قائمًا مقام التكذيب، بخلاف المقذوف بالكفر؛ فإن حاله شاهدة بتكذيب القاذف؛ إذ لو كان صادقًا لما اختص بالعلم به، فلم يشرع الحد عليه.
"وثانيتهما" أن الزنا لكونه مبنيًّا على الشهوة البهيمية وخيانة الناس بعضهم بعضًا يتعير به، بخلاف الكفر فإنه مبني على خطأ يعتقده صاحبه صوابًا، فلا يتعير به. فالقذف بالزنا فيه إيذاء أعظم من القذف بالكفر لا سيما إذا كان المقذوف امرأة، فشرع الحد في الأول دون الثاني =

<<  <  ج: ص:  >  >>