للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= لذلك، فالقذفان وإن اشتركا في التحريم وزاد القذف بالكفر عن القذف بالزنا لكونه رميا بما هو أعظم جرمًا، إلا أن هذا الوصف الذي اشتركا فيه ليس هو مناط الحد، بل مناطه القذف بأمر يسرع تصديق الناس له، ويلحق العار بصاحبه، وهذا خاص بالقذف بالزنا، فالتفرقة بينه وبين القذف بالكفر تفرقة بين مختلفين لا متماثلين.
٩ - وأما اكتفاؤه في ثبوت القتل والكفر بشاهدين دون ثبوت الزنا ففي غاية الحكمة؛ إذ في الاكتفاء بالشاهدين على الكفر احتياط للدين؛ كيلا يجترئ أحد على إعلان الكفر وإضلال الناس. وفي الاكتفاء بهما في القتل احتياط للنفس التي حرمها الله؛ كيلا يفلت المجرم عند قلة المطلعين على جريمته، وفي اشتراط الأربعة في الزنا احتياط لستر الفاحشة التي من شأنها الستر والتي يؤدي كشفها إلى إلحاق العار الدائم بالمشهود عليه وبغيره ممن يتصلون به، وربما أدى إلى جرائم أخرى، ولذا توعد الله تعالى من أحب إشاعة الفاحشة بين المؤمنين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
١٠ - وأما فرقه في العدة بين الموت والطلاق؛ فلأن بينهما فرقًا مشتملًا على حكمة عظيمة ذلك أن عدة الوفاة لم تشرع لبراءة الرحم وإلا لما وجبت على غير المدخول بها ولا على الصغيرة والآيسة، وإنما شرعت تحريمًا للعقد "حيث بلغ غايته ولم ينقطع بطلاق ولا فسخ" ورعاية لحق الزوج المتوفى وتفجعًا عليه، فلم يكن بد من ضرب مدة لذلك، وأولى المدد بذلك المدة التي يعلم فيها وجود الولد وعدمه، فإنه يكون أربعين يومًا نطفة ثم أربعين علقة ثم أربعين مضغة، فهذه أربعة أشهر ثم ينفخ فيه الروح في الطور الرابع؛ فقدر بعشرة أيام لتظهر حياته بالحركة إن كان ثم حمل، وقدرت هذه المدة في حق الصغيرة والآيسة وغير المدخول بها، لأنه لا بد في الثلاثة من ضرب مدة، فإذا التمست مدة سوى هذه كان ذلك تفريقًا بين أحكام الباب الواحد من غير داع؛ وهذا لا يجوز.
وأمّا عدة الطلاق فإنها لا يمكن تعليلها بما سبق؛ لأنها إنما اختصت بالمدخول بها "لو كانت لحرمة العقد أو لحرمة الزوج لشملت غير المدخول بها" وإنما شرعت هذه العدة لحكم:
"إحداها" رعاية حق الزوج في الرجعة؛ باتساع زمنها إذا كان الطلاق رجعيًّا لئلا يفوته إمساكها، وعقوبته بتطويل المدة إذا كان الطلاق بائنًا؛ فإنه ينتظر حتَّى تمضي العدة ثم تُزَوَّجْ بآخر ثم يطلقها ثم تمضي عدتها منه.
"ثانيتها" رعاية حق الزوجة في النفقة والسكنى مدة بعد الطلاق.
"ثالثتها" رعاية حق الولد بالاحتياط في ثبوت نسبه أو لا يختلط بغيره.
"رابعتها" رعاية حق من يريد التزوج بها بعد الطلاق بألّا يسقي ماءه زرع غيره، فلهذه الحكم لم يكن بدّ من مدة تتربصها المرأة بعد الطلاق، ولا يكفي لهذه الحقوق قرء ولا شهر واحد، =

<<  <  ج: ص:  >  >>