١١ - وأما إباحته للرجل أن يتزوج بأربع وعدم إباحته للمرأة أن تتزوج بأكثر من واحد مع وجود الشهوة وقوة الداعي من الجانبين، فذلك من كمال حكمة الشارع؛ فإن بين الرجل والمرأة فرقًا من جهات: "الأولى" أن زواج المرأة باثنين أو أكثر يضيع الأنساب، ويؤدي إلى تشاحن الأزواج وقتل بعضهم بعضًا، بخلاف زواج الرجل باثنتين أو أكثر؛ فإن الأنساب معه محفوظة. "الثانية" أن المرأة لما كانت مخبأة في العادة كان مزاجها أبرد من مزاج الرجل، وحركتها الظاهرة والباطنة أقل من حركته، فلذا كانت شهوتها أقل؛ لأن منبع الشهوة إنما هو الحرارة والقوة، فلم يبح لها أن تتزوج بأكثر من واحد حرصًا عليها أن تزول حرارتها وقوتها بالكلية، وما يتخيل من كثرة شهوة المرأة فإنما هو خيال باطل، ومنشؤه أن المرأة الخالية من الأعمال تلتفت إلى الشهوة؛ لعدم اشتغالها بغيرها، فتظن كثرتها والواقع أنها أقل من الرجل بكثير. "الثالثة" أن الرجل لما كان دائب السعي في المصالح الخارجية يركب الأخطار ويجوب القفار، كان متعرضًا لكل بلية ومحنة، فعوض عن ذلك بإباحة تزوجه بأربع، بخلاف المرأة فإنها يأتيها رزقها وهي مخبوءة في بيتها، فلم يبح لها أكثر من زوج واحد، والغيرة التي تحدث لها من زواج زوجها بغيرها ليست أعظم أثرًا مما يتحمله الرجل من المشاق. "الرابعة" أن الرجال يقلون والنساء يكثرن؛ لتعرض أولئك للأخطار والحروب دون هؤلاء، فمن الحكمة إباحة أن يتزوج الرجل أربعًا؛ لئلا تضيع نساء كثيرات. "ولعلّ قائلًا يقول": لا ضياع للنساء؛ إذ يجب إلزام أولياء أمورهن بالإنفاق عليهن. "والجواب" أن النساء وإن أمكن كفايتهن من جهة النفقة لم يمكن كفايتهن من حيث قضاء الشهوة المركبة فيهن إلا بالزواج، وإلّا لجأن إلى البغاء، وسرى شره بين الأمة، فلا ضمان إلا بإباحة تعدد الزوجات للرجل. ١٢ - وأما تجويزه للرجل أن يستمتع من أمته بالوطء وغيره، وعدم تجويزه للمرأة أن تستمتع من عبدها بوطء ولا غيره مع استوائهما في ملك اليمين؛ فلأن الفطرة قاضية بأن يكون للرجل المستمتع سلطان على المرأة المستمتع بها، فأبيح للرجل أن يستمتع بأمته؛ لأن سلطان استمتاعه بها يوافق سلطان ملكه إياها. ولم يبح للمرأة أن تستمتع بعبدها؛ لأنَّهُ يقضي أن =