١٣ - وأما إيجابه الزكاة في خمس من الإبل واسقاطه إياها عن عدة آلاف من الخيل مع استواء الصنفين في نفع مالكهما؛ فلأن بين الإبل والخيل فرقًا يقتضي إيجاب الزكاة في أحدهما دون الآخر، وذلك أن الإبل تراد للدر والنسل والأكل وحمل الأثقال والمتاجر والانتقال عليها من بلد إلى بلد، فهي معدة للنفقة كالذهب والفضة، وأما الخيل فإنما خلقت للكر والفر والطلب والهرب، فهي معدة لإقامة الدين وجهاد أعدائه كآلات السلاح والحرب، فمن حكمة الشارع أن يفرق بين ما أعد للنفقة وما أعد لإعلاء كلمة الله، فيوجب الزكاة في الأول تطهيرًا له، ويعفو عن الثاني ترغببًا في اقتنائه، ولذا تجب الزكاة في الخيل إذا اتخذت للتجارة؛ لأن المقصود بها حينئذ النفقة، فهي كالإبل المقتناة للدر والنسل، فالشارع الحكيم جمع بينهما في وجوب الزكاة حيث كانت الحكمة تقتضي الجمع، وفرق بينهما في ذلك حيث كانت الحكمة تقتضي الفرق. ١٤ - وأما قطعه يد السارق دون فرج الزاني ولسان القاذف؛ فلأن السارق يأخذ المال خفية من حرز مثله، فلا يمنع شره إلا بقطع يده الذي يعطل حركته بعض التعطيل، فيسهل ضبطه إذا عاود السرقة، وفي هذا أيضًا مزجرة له؛ لأنَّهُ كلما نظر إلى يده المقطوعة تذكر السبب، فخشي أن يعاود السرقة فيقطع منه عضو آخر. وأمَّا الزاني فلم يقطع فرجه لأمور: "أحدها" أنه إن تأتي القطع في الرجل لم يتأت في المرأة، فإن شرع في الرجل دون المرأة كان منافيًا للعدالة، بخلاف اليد؛ فإنه يمكن قطعها في السارق والسارقة. "ثانيها" أن الفرج آلة النسل، وفي قطعه تعطيل للنسل المقصود تكثيره، بخلاف قطع اليد؛ فليس فيه تعطيل لأمر مقصود شرعًا. "ثالثها" أن الزاني مستمتع بجميع بدنه لا بالفرج وحده، فقطع الفرج فيه إخلاء لباقي البدن عن العقوبة، بخلاف السارق؛ فإنه لم يباشر السرقة إلا بيده، فكان من الحكمة قطعها دون فرج الزاني، وإذا لم يعاقب الزاني بقطع فرجه لما ذكر، كان من الحكمة معاقبته بما فرض الشارع من جلد وتغريب للبكر ورجم للمحصن، فإن المحصن قد تزوج فعلم ما يقع به العفاف عن الفروج المحرمة، وباشر ذلك بنفسه، فزال عذره من جميع الوجوه، فعوقب بالرجم لما في فعله من اختلاط الأنساب الذي يبطل معه التعارف والتناصر، فيكثر هلاك الحرث والنسل، فكانت تلك الفعلة أشبه شيء بقتل النفس الذي لا زجر لفاعله إلّا بالقصاص، وأمّا البكر فلم يعلم ما علمه المحصن ولم يباشر ما باشر من الزواج الذي يقع به العفاف، فحصل له من العذر ما أوجب التخفيف عنه، وإن كانت فعلته تؤدي إلى الجرائم التي في فعلة المحصن فلذا =