للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= عوقب بجلد مائة وتغريب عام إيلامًا لجميع بدنه الذي استمتع بالحرام وردعًا له عن المعاودة إليه وبعثًا له على الاقتناع بما رزق الله من الحلال.
وأما القاذف فمفسدة قذفه لا تساوى مفسدة السرقة ولا الزنى، فمن الحكمة أن يكون حده أقل من حدها، فعوقب بجلد ثمانين، وفي ذلك زجر له وردع لغيره، ولم يقطع لسانه؛ لما في قطعه من الإسراف في العقوبة من غير داع، ولما فيه من تفويت ذكر الله ودعائه، وهما من أعظم مقاصد الشرع.
١٥ - وأما إيجابه علي الرقيق نصف حد الحر، فالحكمة فيه أن نعمة الله على الحر أتم؛ لأنَّهُ لم يجعله تحت قهر غيره، فكان شكره لله أوجب، ووقوع المعصية في حقه أقبح، فإذا شرعت له عقوبة كان من الحكمة أن تخفف على العبد؛ لئلا يجتمع فيه ذل العبودية ونقص التصرف وشدة العقوبة، فكان على النصف من الحر في ذلك إقامة للذل والنقص مقام النصف الآخر.
١٦ - وأما إيجابه على من نذر الطاعة أن يفي بها، وتجويزه لمن حلف على فعلها أن يتركها ويكفر عن يمينه، فالحكمة فيه أن النذر التزام للطاعة فيجب الوفاء به، سواء أكان مطلقًا نحو: لته علي أن أصلي ركعتين، أم معلقًا على شرط نحو: إن شفي الله مريضي فعلي أن أتصدق بدينار.
وأما اليمين فليست التزامًا للطاعة: وإنما هي حث لنفسه على فعلها، وهذا الحق ينحل إما بفعلها وإما بالتكفير، ولو سلم أنها التزام فهي التزام بالله، لا التزام للّه وفرق بينهما، فإن الالتزام باللّه معاهدة للنفس مع الاستعانة بذكر الله، والالتزام لله معاهدة لله، فالإخلال بالثاني فيه نقض للمعاهدة بينه وبين ربه فلم يجز أصلًا، والإخلال بالأول ليس فيه ذلك وإنما فيه إخلال بكمال تعظيمه اسم الله حيث لم يوقع ما اقترن به، فجاز مع الكفارة، وهذا إنما يكون إذا لم يحلف على فعل واجب أو ترك حرام، فإن حلف على أحد هذين كان الإخلال به إخلالًا بالتعظيم ومعاهدة الله معًا؛ لأن كل مؤمن قد عاهد الله بإيمانه ألّا يفعل محرمًا ولا يترك واجبًا، فإذا حلف على فعل الواجب أو ترك الحرام فقد ضم إلى معاهدة الله، معاهدة النفس مع الاستعانة بذكر الله فإذا أخل بذلك كان آثمًا؛ لترك معاهدة الله، ووجبت الكفارة للإخلال بكمال تعظيم اسم الله.
١٧ - وأما تحريمه صوم أول يوم من شوال وفرضه صوم آخر يوم من رمضان، فالحكمة فيه أن آخر يوم من رمضان خاتمة الشهر الذي أمر الله بصيامه، فصيامه إتمام لما أمر الله به، فهو فرض، وأول شوال يوم جعله الله عيدًا وسرورًا وشكرًا منه للصائمين على امتثالهم أمره، فهم أضيافه، والجواد يحب من ضيفه أن يقبل قِرَاه، ويكره أن يمتنع من قبول ضيافته إلا بإذنه، فحرم صومه لذلك، ولئلا تؤدي إباحته إلى الاستدراك على الشارع بالزيادة على ما شرع، =

<<  <  ج: ص:  >  >>