وأما جمعه بين زنا المحصن والردة في إيجاب القتل مع تفاوتهما في مقدار الخطيئة، والحكمة فيه أن الزاني والمرتد اشتركا في مفسدة تقتضي زوال كل منهم عن وجه الأرض، فالأول جني على البضع جناية توجب اختلاط الأنساب وضياعها، ومتى ضاعت زالت النصرة والتعاون، وكثر التشاحن والقتل، فوجب قتله صيانة للمجتمع من التفكك، والثاني جني على الدين جناية توجب العداوة والبغضاء بينه وبين المؤمنين، وربما اقتضى التهاون معه اقتداء كثيرين به؛ فتزول النصرة والتعاون، ويكثر التشاحن والقتل فوجب قتله، صيانة للمجتمع عن التفكك أيضًا. فالعلة التي اقتضت قتلهما أن كلًّا منهما مفسدة تؤدي إلى تفكك الأمة وكثرة القتل والشحناء بين أفرادها غير أنهما افترقا في أمر هو أن الزنا قد يجلب العار الذي لا يزول، بخلاف الردة" فكان القتل فيه بالرجم الذي هو أشد من قطع الرقبة بالسيف، فالجمع بين الزنا والردة في القتل جمع بين متماثلين في علة القتل، والتفرقة بينهما في كيفية القتل للفرق بينهما في مقدار العلة فهي في الزنا أشد، وأما الفرق بينهما في مقدار المعصية فلا شأن له في هذه العقوبة الدنيوية، وإنما يظهر أثره في العقوبة الأخروية حيث يخلد المرتد في النار دون الزاني. وبهذا تبين أن شريعتنا إنما فرقت بين أحكام الأمور التي تباينت عللها، وجمعت بين أحكام الأمور التي اتحدت عللها أو تماثلت؛ وبذلك سقط دليل النظام.