للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُدَّ: بِأَنَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ؛ لِجَوَازِ انْتِفَاءِ صَلَاحِيَّةِ مَما تُوُهِّمَ جَامِعًا أَوْ وُجُودِ الْمُعَارِضِ فِي الأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ، وَلاِشْتِرَاكِ الْمُخْتَلِفَاتِ فِي مَعْنًى جَامِعٍ، أَوْ لاِخْتِصَاصِ كُلٍّ بِعِلَّةٍ لِحُكْمِ خِلَافِهِ.

الشرح: "وُردّ: بأن ذلك لا يمنع الجواز"؛ أي: جواز التعبُّد بالقياس، أما الفرق بين المتماثلات، فإِن المتماثلات إِنما يجب اشتراكها في الحُكْمِ؛ إذا صلح ما يه الاشتراك علّة للحكم، ليصلح جامعًا، ولا يكون له معارض في الأصل يقتضي حكمًا غيره، ولا في الفرع أقوى يلحقه بأصل غير ذلك الأصل؛ وذلك غير معلوم فيما ذكر من الصور؛ "لجواز انْتِفَاءِ صلاحية ما يوهم جامعًا لأن يكون جامعًا، "أو وجود المُعَارض في الأصل أو الفرع"؛


= مقذرًا، لأن التطهير الأصلي علة التنظيف باستعمال مادة سهلة الحصول عليها، وهي الماء، والتطهير البدلي عند العجز عن المادة المنظفة السهلة الحصول علته إظهار الخضوع للّه تعالى باستعمال مادة سهلة الحصول عليها أيضًا، وهي التراب. وفي جواز التطهير بالتراب، حكمة أخرى وهي "أنه تعالى خلق أبانا آدم من الماء والتراب وكذلك خلق كل واحد منا؛ فإن أصل النطفه الأغذية الراجعة إلى الماء والتراب، فالتراب أخو الماء في أصالته لنا؛ فالتطهير به مذكر للإنسان بأصله، ممكن له من العبودية، مانع له من الكبر" وكفى بذلك تطهيرًا للنفس حيث فقد المطهر المنظف للبدن.
وأما جمعه بين زنا المحصن والردة في إيجاب القتل مع تفاوتهما في مقدار الخطيئة، والحكمة فيه أن الزاني والمرتد اشتركا في مفسدة تقتضي زوال كل منهم عن وجه الأرض، فالأول جني على البضع جناية توجب اختلاط الأنساب وضياعها، ومتى ضاعت زالت النصرة والتعاون، وكثر التشاحن والقتل، فوجب قتله صيانة للمجتمع من التفكك، والثاني جني على الدين جناية توجب العداوة والبغضاء بينه وبين المؤمنين، وربما اقتضى التهاون معه اقتداء كثيرين به؛ فتزول النصرة والتعاون، ويكثر التشاحن والقتل فوجب قتله، صيانة للمجتمع عن التفكك أيضًا. فالعلة التي اقتضت قتلهما أن كلًّا منهما مفسدة تؤدي إلى تفكك الأمة وكثرة القتل والشحناء بين أفرادها غير أنهما افترقا في أمر هو أن الزنا قد يجلب العار الذي لا يزول، بخلاف الردة" فكان القتل فيه بالرجم الذي هو أشد من قطع الرقبة بالسيف، فالجمع بين الزنا والردة في القتل جمع بين متماثلين في علة القتل، والتفرقة بينهما في كيفية القتل للفرق بينهما في مقدار العلة فهي في الزنا أشد، وأما الفرق بينهما في مقدار المعصية فلا شأن له في هذه العقوبة الدنيوية، وإنما يظهر أثره في العقوبة الأخروية حيث يخلد المرتد في النار دون الزاني. وبهذا تبين أن شريعتنا إنما فرقت بين أحكام الأمور التي تباينت عللها، وجمعت بين أحكام الأمور التي اتحدت عللها أو تماثلت؛ وبذلك سقط دليل النظام.

<<  <  ج: ص:  >  >>