"الاعتراض السادس والجواب عنه": قالوا: سلمنا أنه صحيح وأنه حجة، لكن لا نسلم التقريب، فإنه إنما يدل على صحة الاجتهاد بالرأي، وهو كما يكون بالقياس يكون بالاستدلال بخفي النصوص وبالتمسك بالبراءة الأصلية، ولفظ "أجتهد رأيي" ليس عامًّا، فلا يمكن حمله على الجميع، وليس حمله على الاجتهاد بالقياس أولى من غيره. "ويجاب عنه" بأن لفظي "كتاب الله وسنة رسول الله" عامان شاملان للجلي والخفي من النصوص، فالاستدلال بخفي النصوص استدلال بالكتاب والسنة، فلا يصح حمل الاجتهاد في القصة عليه؛ لأنه موقوف على فقد الحكم في الكتاب والسنة، ولا يصح حمله على التمسك بالبراءة الأصلية؛ لأنه معلوم لكل عاقل، فليس فيه بذل جهد أصلًا، فلم يبق إلا الاجتهاد بالقياس؛ فيتعين حمله عليه. "الاعتراض السابع والجواب عنه": هذا الاعتراض ممن يقولون: إن القياس حجة فيما علته منصوصة فقط، قالوا: سلمنا أنه يدل على حجية الاجتهاد بالقياس لكن القياس ينقسم إلى ما علته منصوصة وإلى ما علته مستنبطة، ولفظ "أجتهد رأيي" مطلق، ويكفي في حجيته حمله على أحدهما، وقد حملناه على ما علته منصوصة. "وأجيب عنه" بأن المقصود من الاستدلال بالحديث إثبات حجية القياس في الجملة لا إثبات حجية كل قياس. فمن يقول: إن الحكم فيما علته منصوصة يثبت بالنص لا بالقياس، فهذا حجة عليه؛ حيث يتعين على رأيه أن يراد بالاجتهاد القياس فيما علته مستنبطة، ومن يقول: إن الحكم فيما علته منصوصة لا يثبت بالنص بل بالقياس، فهذا حجة عليه إن كان ينكره. هكذا أجاب بعض الأصوليين. ومقتضى هذا الجواب أن من أثبت القياس فيما علته منصوصة فقط لا يكون الحديث حجة عليه. "وعندي" أن هذا الحديث حجة عليه، والمقصود بالاستدلال به إثبات حجية كل قياس، وذلك أن قوله: "أجتهد رأيي" هو المرتبة الثالثة بعد الكتاب والسنة، وقد اكتفى النبي ﵇ بها ولم يسأله عن مرتبة رابعة، والاستقراء يدل على أن الوقائع التي لم ينص على أحكامها في الكتاب والسنة منها ما نص على علته ومنها ما لم ينص، فلو كان اجتهاده في منصوصة العلل فقط لسأله النبي ﷺ عما يصنع إذا لم يجد نصًّا على العلة يجتهد فيه، لكنه لم يسأله عن =