"الاعتراض الثامن والجواب عنه": قالوا: سلمنا أنه يدل على حجية القياس لكن لا نسلم أنه عام لجميع المجتهدين؛ لأنه لا يلزم من تقرير النبي ﷺ العمل بالقياس بالنسبة لمعاذ تقرير العمل به بالنسبة لغيره من المجتهدين؛ لجواز أن يكون ذلك خصوصية له، فلا يكون القياس حجة عامة لجميع المجتهدين. "ويجاب عنه" بأنه يلزم من التقرير بالنسبة لمعاذ التقرير بالنسبة لغيره؛ لأن الأصل عدم الخصوصية؛ إذ التكاليف الشرعية عامة لا تختص بشخص دون شخص ولا جماعة دون جماعة، فلا يصار إلى الخصوصية إلَّا لدليل، ولا دليل هنا. "الاعتراض التاسع والجواب عنه": قالوا: سلمنا أن الحديث يدل على تقرير العمل بالقياس بالنسبة لمعاذ وغيره، لكن لا نسلم أنه يدل على ذلك في جميع الأزمان، وإنما كان ذلك قبل نزول قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ للحاجة إليه وقتئذ؛ لعدم وفاء النصوص بجميع الأحكام، أما بعد نزولها فلا حاجة إليه؛ لأن الآية دلت على أن الله بين لنا جميع الأحكام بالتنصيص عيها، فلا محل للقياس؛ لأنه مشروط بفقدان النص. فالخلاصة أن القياس كان حجة قبل نزول الآية ثم نسخت حجيته بعد نزولها، ومدّعاكم أنه حجة في كل زمان. "وأجيب عنه" بأن الحديث دل على حجية القياس من غير تقييد بوقت دون وقت، فيبقى على إطلاقه؛ لأن التقييد خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا لدليل، وما ذكرتم من الآية لا يصلح أن يكون مقيدًا لإطلاق الحديث؛ لأنها محمولة على إكمال الأصول والقواعد الكلية دون الفروع وتفاصيلها؛ للقطع بأن النصوص لم تشتمل على تفاصيل جميع الفروع. ولئن سلمنا أن الآية عامة في الأصول والفروع وأن الله تعالى بين لنا كل ما نحتاج إليه في كل زمان، لكن لا نسلم أن هذا يقتضي عدم الحاجة إلى القياس ونسخ حجيته؛ لأن البيان المذكور تارة يكون بغير واسطة كما في الأحكام المنصوصة، وتارة يكون بواسطة كما إذا بين لنا مناط الأحكام =