للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفرق والجمع على الوجه الذي يخوض فيه لم ينقل عن الصَّحابة أصلًا، وإنما كانوا يتتبعون التأثيرات، والذي نقل عن عبد الرحمن بن عوف معنى صحيح، والذي أشار إليه عليّ في معنى الضَّمَان ألطف منه، والمراد من كلامه: أنه وإن كان يباح له التَّأديب، ولكنه مشروط بالسَّلامة؛ لأنَّهُ أمر ليس بِحَتْمٍ، بل يجوز فعله وتركه، فيطلق فعله بشرط السلامة.

قال: فليس هذا الكلام من الفرق والجمع الذي نحن فيه بسبيل، فلا ندري كيف وقع الحال في هذا الخبط من هذا القائل؟

وإن وقع الفرق، فنحن لا ننكر الفَرْق بالمعاني المؤثرة، وترجيح المَعْنَى على المعنى، وإنما الكلام في شيء وراء هذا، وهو أنَّ المعلل إذا ذكر علّة، قام له الدَّليل على صحّتها، ففرق الفارقُ بين الأصْل والفرع بمعنى، فإن كان فرقًا لا يقدح في التأثير الذي لوصف المعلّل في الحكم، فهو فرق صورة، ولا يلتفت إليه، وإن فرق بمعنى مؤثّر في حكم الأصل، فغايته التَّعْليل بعلّتين.

وإن بين الفارق معنى مؤثرًا في التفريق بين الفرع والأصل، فالقادح بيان معنى مؤثّر في الفرع يفيد خلاف الحكم الذي أفاده المَعْنَى الأول، فلا بدّ لهذا من إسناده إلى أصل، وحينئذٍ تكون معارضة، ولا يكون الفرق الذي يقصد بالسؤال، ونحن بَيّنا أن المعارضة قادحة. انتهى.

وأنت تراه كيف لا يجعل المُعَارضة في الفرع فرقًا (١)، فالنزاع فيها معه لفظي، وقد يجوز أن المُعَارضة في الفرع قادحةٌ بلا خلاف، فليسمها ابن السَّمْعَاني بما شاء.

وأما المعارضة في الأصل فهي مَبْنِيّة على التعليل بعلّتين - كما سبق في مكانها - فلا وجه للإطناب فيها بعد تحقّق البناء.

ثم قال الإمام: ولن يتبيّن مدرك الحَق في الفرق إلا بتفصيل نبديه فنقول: ربّ فرق يلحق جمع الجامع بالطَّرد، وإن كان لولاه لكان الجمع فقيهًا، فما كان كذلك فهو مَقْبُول مجمع عليه.

ومن آية هذا التقسيم: أن الفارق يعيد جمع الجامع، ويزيد فيه ما يوضح بطلان أثره.

مثاله: قول الحنفي في مسألة البيع الفاسد: معاوضة جَرَتْ على تَرَاضٍ، فيفيد ملكًا كالصحيحة، فيقول الفارق: المعنى في الأصل جَرَيَانها على وفق الشرع، [فنقلت] (٢) الملك


(١) في ب: قادحة فرقا.
(٢) في أ، ت: ينغلب.

<<  <  ج: ص:  >  >>