بالشَّرْع، بخلاف الفاسدة، فينتهض الكلام إذن، وفي صاحبه بتحقيقه مبطلًا إخالة كلام المعلل وما ادّعاه من إشعاره بالحكم.
ومن خصائصه: إمكان البوح منه بالغرض لا على سبيل الفرق، بل على سبيل المفاقهة، بأن يقول: لا تَعْوِيلَ على التراضي، بل المتبع الشرع في الطرق الناقلة، إلى آخر ذلك، على ما يعرفه الفقيه، ومما يقع مدانيًا لهذا أن الحَنَفي إذا قال: طَهَارة بالماء، فلا تحتاج إلى نِيّة، كإزالة النَّجَاسة، فالفارق [يعيد](١) كلامه ويزيد قليلًا، ويقول: المعنى في الأصل أنه طَهَارة بالماء عَيْنِيّة، والوضوء طهارة حُكْمِتة، ومقصوده أن يخرم فقه الجامع، ويلحقه بالطَّرد؛ أي: فإن نسبة كونه طَهَارة بالماء إلى إيجاب النية، وعدم إيجابها على السَّواء، وهذا يبين كونه طردًا.
قال: وهذا محطوط عما استشهدنا به، أولًا من جهة أنَّا نرى مَدَار الكلام في هذه المَسْألة على الأشباه، وقد يظنّ الحنفي أن الطَّهَارة بالماء أشبه بالطَّهَارة بالماء، والفارق ليس يدعي مسلكًا فقهيًّا، وإنما يدعي تشبيهًا، وإنما مَثَار النِّزَاع في المسألة الأولى: هل يعتبر اتِّباع التَّرَاضي أو اتباع الشرع؟
فليفهم الفاهم ما يلقى إليه من حقائق الكلام، ومما نجريه - مثلًا - أن المالكي إذا قال: الهبة عَقْد تمليك، فيرتب على صِحَّة الإيجاب والقبول فيها الملك، كالمُعَاوضة.
فإذا قال الفارق: المعاوضة متضمّنها النزول عن المعوض والرِّضا بالعوض، وذلك يحصل بنفس العَقْدِ، والتبرع بدل لا يقابله عوض، فلنشترط فيه الإقباض المشعر بكمال الرِّضا ونهايته، لم يكن هذا الفرق مبطلًا بالكلية فقه الجَمْع، ولكن سرَّه أن الجَامِعَ أبدي الجمع بوصف عام، والفارق يفرق بوجه خاصّ، فإن لم يبطل ما أبْدَاه من خصوص الفرق الفقه في عموم الجمع، فهذا ما ينازع فيه الأصوليون. هذا كلام الإمام.
وحاصله: أن الكلام في الفرق إنما هو حيث لا يكون مبطلًا فقه الجمع، فإن أبطله فقد تبيَّن أن ما ذكر المستدلّ من الجمع ليس بصحيح، فيكون مقبولًا بلا نظر.
ثم قال: إن الفرق إذا أبطل فقه الجمع، فلا شكَّ في كونه اعتراضًا، والفرق والجمع