"وقيل: إن أثبت" السَّبب أو المانع أو الشَّرط "بغير الثَّلاثة" التي هي النصُّ والإجْمَاعُ والقياس، فهو استدلال، وإلَّا فلا، "والمُخْتَار" عند المُصَنِّف: "أنَّه ثلاثهٌ: تلازم بين حُكْمَيْنِ من غير تَعْيِينِ عِلَّةٍ"، وإلَّا لكان قياسًا أو "استصحاب، وشرع من قَبْلَنَا"، وزادَ فَرِيقٌ: الاستحسان، وفريق: المصالح المُرْسَلَةِ، ونقص قَوْمٌ: الاسْتِصْحَابَ، وقوم: شَرْع من قَبْلَنَا، عَلَى ما يأتي ذلك كلُّه إن شاء الله تعالى.
ولقائل أن يقول: قولكم: المختار: أنَّهُ ثلاثَةٌ …
... إلى آخِرِهِ - يقتضي أن الاستدلال موضوع عندكم بإزاء الثَّلاثة، وهذا لم يقل به أحد، بل المتَّفق عليه أنَّهُ موضوع في مصطلح الأصوليِّين، بإزاء دليل غير الثَّلاثة اختلفوا بعد اتِّفاقهم على أن ذلك الدَّليل موضوعه في تشخيصه، كما عرَّفناك حسب اختلافهم في الاحتجاج بما يحتجُّون، فمن قال كالمصنِّف: إنما هو التَّلازم، والاستصحاب، وشرع السَّابق، لا يقول: ذلك موضوع الاستدلال، بل ذلك مشخَّص موضوع الاستدلال، وموضوع الاستدلال إنَّما هو القدر المشترك، ففي الحقيقة هو لفظ موضوع للأعمِّ استعمل في الأخصِّ، ولا يقدر المصنِّف أن يذهب إلى أن الأُصوليِّين وضعوا القطع والاستدلال لما رآه هو حجَّةً دون ما رآه أبُو حَنِيفَة، ولا الحنفيُّ إلى أن الاستدلال ما رآه هو حُجَّةً دون ما رآه الشَّافِعِيّ، بل الأمر كما بَيَّنَّاهُ.
الشرح: الأوَّلُ: قياس التَّلازم، وهو إِمَّا "تلازم بين ثُبُوتَيْنِ أو نَفْيَيْنِ، أو ثبوتٍ ونفي، أو نفي وثُبُوتٍ"، كما يقول في المسلم يَجِدُ الميتة: إن كان مضطرّا لم يأكل، إن كان مضطرّا لَمْ يُحَرَّمْ، إن لم يكن مضطرًّا حرِّم، "والمتلازمان إن كانا" متلازمين "طردًا وعكسًا" أي: من الطَّرفين "فالجسم التَّأليف جرى فيهما الأوَّلان"، وهما التَّلازم بين ثبوتَين، وبين نفيين "طردًا وعكسًا"، بمعنى أن وجود كلٍّ منهما يستلزم وجود الآخر، ونفيه يستلزم نفي الآخر، كُلُّ ما كان جسمًا كان مؤلَّفًا، وكُلُّ ما كان مؤلَّفًا كان جسمًا، وكُلُّ ما لم يكن مؤلَّفًا لم يكن جسمًا، وَكُلُّ ما لم يكن جسمًا لم يكن مؤلَّفًا.