وقيل: إنما لم يحتجوا به في الأمْرِ الوجودي لا مطلقًا، ثم اختلفوا، فمنهم من جَوّز الترجيح به.
ومنهم من لم يجوزه، والذي صَرَّحت الحنفية به في كتبهم أنه لا يكون حُجّة في العَين، ولكن يصلح لإبداء العُذْر، والدفع، ولذلك قالوا: حياة العقود، بالاستصحاب يصلح حجة لبقاء ملكه لا في إثبات الملك له في مال مورثه، وهذا قول منهم بالتَّفصيل.
ونحن نقول: للاستصحاب صور:
إحداها: ما ذكرناه من اسْتِصْحَاب العدم الأصلي، وهذا إن ثبت فيه خلاف، فلغير أصحابنا، وأما أصحابنا فَمُطْبِقُون على أنه حُجة.
والثانية: استصحاب مقتضى العموم، أو النص إلى أن يرد المخصص والناسخ، ولم يختلف أصحابنا في أنه حجة أيضًا، ومنع ابن السَّمعاني من تسميته بـ "الاستصحاب".
قال: لأن ثبوت الحكم فيه من ناحية اللفظ لا من ناحية الاستصحاب.
والثالثة: استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته، ودوامه لوجود سببه، كالملك عند حصول المسبب، وشغل الذمة عند فرض، أو إتلاف، وهذا وإن لم يكن حكمًا أصليًّا فهو حكم شرعي دل الشرع على ثبوته ودوامه جميعًا، ولولا أن الشرع دل على دوامه إلى أن يوجد السَّبب المزيل، أو المبرئ لما جاز استصحابه.
فإذا دلَّ الشرع على ثبوت شيء، ودوامه كان حجّة بشرط عدم حصول المغير كما في الصور المذكورة، ولا أعرف في هذا إيضاحًا لأصحابنا، ومن هذا القَبِيل الحكم بتكرار الأحكام عند تكرار أسبابها؛ لأنه لما قام الدليل على كون تلك الأسباب أسبابًا لتلك الأحكام وجب استصحابها ما لم يمنع منه مانع، وهو من جملة الدليل على أن الحكم يتكرر بتكْرَار السبب.
والرابعة: استصحاب حال الإجماع في محل الخلاف، وهو أن يحصل الإجماع على حكم في حال، فيتغير الحال، ويقع الخلاف، فهل يستصحب حال الإجماع؟
وإن شئت قلت: إن ثبت حكم في حالة، فتتغيّر الحالة، فيستصحب المستدل ذلك الحكم بعينه في الحالة المتغيرة، ويقول: من ادعى تغيير الحكم، فعليه الدليل، كما قال