للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وعند هذا نقول: إذا ظنّ الشَّافعي حِلّ (١) لعب الشِّطْرَنج (٢)، فإن حله في حقّه معلوم قطعًا؛


(١) في أ، ت، ح: شغل.
(٢) هو بكسر أوله وفي لغة بالسين، وفيه أربع لغات: كسر الشين وفتحها والإعجام والإهمال والأشهر الإعجام مع الكسر، ويجمع على شطارج وأصله في اللغة الأعجمية: "شسن رنك" ومعناه ستة ألوان؛ لأن شسن ستة، ورنك الوان، وهي أعني الستة: الشاة - والغرزان - والفيل - والفرس - والرخ - والبيدق - ثم أول من وضعه كما ذكره ابن خلكان وصاحب الغرر. "صصَّة بن داهر الهندي" وضعه لـ"بلهيت" ويقال له شِهْرَامْ بكسر الشين المعجمة. وقصد الواضع للشطرنج مضاهاة لأزدشير أول ملوك الفرس الأخيرة واضع النرد، لتمثيل الدنيا وأهلها، وافتخرت الفرس بذلك. ثم لما فارق حكماء ذلك العصر بينهما قضوا بترجيح الشطرنج على النرد - حيث إن الشطرنج وضع على أساس قاعدة أن لا قضاء ولا قدر مؤثرين بذاتهما، وأن الإنسان قادر بسعيه واجتهاده أن يبلغ المراتب العلية والخطط السنية، فكان في ذلك إبطال القاعدة الأساسية التي بني عليها وضع النرد، كما أن الإنسان لو أهمل السعي والاجتهاد هوى به إلى الحضيض وأخرجه من روض العيش الأريض. ومما يدل على ذلك أن البيدق ينال بحركته وسعيه منزلة "الغرزان" في الرياسة. ثم جعلها الواضع مصورة تماثيل على صورة الناطق والصامت، وجعلها درجات ومراتب، فجعل "الشاة" الرئيس والمدبر، والفرس والفيل مركوبين له "والغرزان" وزيره "والبيادق" رعاياه، فالواحد من الرعية لو أعطى الاجتهاد حقه في تهذيب نفسه كان ذلك عونًا على أن ينال رتبة "الغرزان" أي وزيرًا، وكذلك "الغرزان" إذا علت همته وتمكنت قدرته، طمحت نفسه إلى نيل رتبة "الشاة" أي الملك ونازعه الملك، ولو أدى إلى مقاتلته، وهكذا الحكم في كل قطعة من القطع التي تليها. وقيل: إن الواضع للشطرنج بعض الحكماء؛ ليبينوا للناس ما خفي عنهم من مكايد الحروب وكيفية ظفر الغالب وخذلان المغلوب، وبينوا فيها التدبير والحزم والاحتياط والمكيدة والاحتراس، والتعبية والنجدة، والقوة والجلد والشجاعة والبأس، فمن عدم شيئًا من ذلك علم موضع تقصيره ومن أين أتى بسوء تدبيره؛ لأن خطأها لا يستقال، والعجز فيها متلف المهج والأموال؛ لأنه معلوم بالبداهة أن في ترك الحزم ذهاب الملك، وضعف الرأي جالب للعطب والهلاك، والتقصير سبب الهزيمة. والتلف وعدم المعرفة بالتعبية داع إلى الانكشاف أمام العدوّ.
قال النووي: مذهبنا أنه مكروه، وليس بحرام، وهو مروي عن جماعة من التابعين. وقال مالك وأحمد: هو حرام، قال مالك: هو شرٌّ من النرد وألهى. وروى ابن كثير في "إرشاده" أن أول ظهور الشطرنج في زمن الصحابة، وضعه رجل هندي يقال له: "صصة"، قال: وروى البيهقي من حديث جعفر بن محمد عن أبيه: "أن عليًّا قال في الشطرنج: هو من الميسر".
قال ابن كثير: وهو منقطع جيد، وروي عن ابن عباس وابن عمر وأبي موسى الأشعري، وأبي سعيد وعائشة أنهم كرهوا ذلك. وروي عن ابن عمر أنه شر من النرد كما قال مالك. =

<<  <  ج: ص:  >  >>