للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= كما ترى قياس من الشكل الأول مستوفى شروط الإنتاج، مركب من مقدمتين صغرى وكبرى: أما الكبرى فظاهرة، وأما الصغرى فينبه عليها بأن العلم المطلق جزء من العلم الضروري؛ لأن المطلق والعام دائمًا يكونان جزءين للمقيد والخاص، وهو مصداق قولهم: كل كليّ جزء لجزئيه، وكل جزئي كل لكليه. والجزء سابق على الكل، أما جزئيته، فلأنه مطلق وذاك مقيد، والمطلق كما ذكرنا جزء المقيد، وأما ضرورية المقيد فحصوله من غير كسب ونظر - إلى هنا قد تم الدليل، بظهور مقدمتيه، وبتسليمهما ينتج أن: تصور العلم المطلق بالكنه ضروري" وهو المدعي. هذا ما يذهب إليه الإمام الرازي في إثبات مذهبه بيد أنه قد نوقش ذلك الدليل ودفع بأنه لا ينتج المدعي؛ لأنَّهُ إنما أفاد أن الضروري حصول علم جزئي متعلق بوجود ذلك الواحد العالم بوجوده، والحصول غير التصور، وليس بلازم إذا من الحصول ضروريًا أن يتصور مجرد تصور، فضلًا عن أن يكون تصوره بالكنه بديهيًا، فإنه لا يلزم من حصول صفة لشخص وقيامها بها أن يكون متصورًا لهذه الصفة بوجه تمتاز به عما عداها. يرشدك إلى ذلك أن الكريم قامت به ملكة الكرم، ولا يلزم أن يتصورها، والرجل قد يكون شجاعًا، ولا يدري ما كنه الشجاعة، ولا مقوماتها، ويتصف الإنسان بالحلم والشح والأنانية وهو لا يكاد يقف على حقيقة منها، والكافر يتصف بالكفر "وهو جحد ما جاء به الأنبياء" وهو لا يتصور حقيقة الكفر - لا بحد ولا برسم - ويتصور الإيمان ولا يتصف به، لوجود ما ينافيه في نفسه من الجحود. فقد ظهر أن الحصول غير التصور، بل تبين الانفكاك من الجانبين؛ فلا تلازم بينهما. وهو الفرق بين الحصول والتصور، يكون ردًا على من زعم أن الحصول في النفس هو عين التصور؛ لأنَّهُ لو كان عينه ما تخلف عنه ضرورة استحالته تخلف الشيء عن نفسه، ولكنه قد تخلف عنه كما ظهر من التمثيل المتقدم، فليس هو هو، ولا مستلزمًا له، هذه هي المناقشة التي وردت على هذا الدليل، وهي وجيهة وحرية بالقبول. وعليها فالتقريب "وهو سوق الدليل على الوجه الذي ينتج المطلوب" لم يتم؛ فلم يصلح أن يكون ما ساقه الإمام الرازي على دعواه بداهة العلم. وقد أجيب على هذا الطعن بتحوير في الدليل، فقيل: مراد المستدل "أن كل واحد يعلم بأنه عالم بأنه موجود بالضرورة" أي يعلم علمًا بوجوده حتَّى البله والصبيان، وهم لا يقدرون على الاكتساب، يعلمون هذا العلم، وهذا التصديق الضروري مشتمل على العلم إذ هو أحد طرفيه، فيلزم أن يكون تصور العلم ضروريًا، ونظم الدليل هكذا: "العلم أحد طرفي هذا التصديق البديهي" في قولنا: كل واحد يعلم بأنه عالم بأنه موجود بالضرورة، وكل ما كان كذلك ضروري، فالعلم المطلق ضروري، وهو المتنازع فيه، وإنما لجأ إلى التحوير؛ لأجل أن يدعي أن الحصول إذا كان غير التصور وغير مستلزم له، فإنه أيضًا يعلم علمه، ولا معنى لعلم العلم، إلا تصوره، ولما كان العلم أحد أركان هذا التصديق وهو ضروري، فليكن ضروريًا، وهو المطلوب.
وهذا التحوير في أصل الدليل مدفوع بأحد وجهين:
الأول: أنه لا يلزم من بداهة التصديق، بداهة شيء من أطرافه؛ فإن التصديق البديهي هو ما لا =

<<  <  ج: ص:  >  >>