للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= يتوقف بعد تصور الطرفين على نظر، وذلك أعم من أن يكون تصور الأطراف بديهيًا أو كسبيًا، ولكن ربما يقول قائل: إن هذا الدفع لا يتوجه على قول الإمام؛ لأن مذهبه تركب التصديق لا بساطته، كما هو مذهب الحكماء، ولا يدفع مذهب بمذهب، فعنده لا يكون التصديق بديهيًا، إلا إذا كانت أطرافه كلها بديهية؛ لأنَّهُ مركب منها.
فنقول لهذا القائل: إذا سلمنا أن التصديق مركب وأنه لا يتم إلا إذا تُصوِّرت الأطراف، ولكنه لا يلزم من بداهة تصور الأطراف تصورها بالكنه بل اللازم تصورها بوجه ما، فإن الحكم بالشيء على الشيء، فرع تصورهما ولو بوجه، وهو خلاف المدعي، يؤيد ذلك: أننا نحكم على جسم معين شوهد من بعد، بأنه شاغل لحيز معين مع الجهل بحققة ذلك الجسم المحكوم عليه، بل مع الجهل بحقيقة الشغل والحيز المحكوم به، وأيضًا فإنا نقول: الواجب إما نفس - أو - لا، مع أننا لا نعلم كنه الواجب ولكن نتصوره بصفاته ككونه خالقًا للعالم، ومع أننا نجهل حقيقة النفس، ولا نكاد نتصورها إلا بخاصتها ككونها مدبرة للبدن، فكل ما ينتجه الدليل بعد فرض أن بداهة التصديق تستلزم بداهة أطرافه هو "أن تصور العلم بوجهٍ ما ضروري" وهو غير محل النزاع، فإذا حصل هذا التصديق الضروري لكل واحد حتَّى لمن لا يتأتى النظر كالبله والصبيان، فإنهم إذا كانوا يصدقون بأنهم موجودون ويعلمون هذا التصديق، فهم ولا شكَّ لا يعقلون معنى التصديق بالوجود، ولا يعقلون معنى العلم المطلق في ضمنه فضلًا عن أنْ يكونوا متصورين له بالكنه، وإذا كان محققو العلماء وأساطين الحكماء قد اختلفوا وتشعبت آراؤهم في مفهوم العلم كما يعلم من التعاريف المختلفة التي ذكرت له، وأيضًا إذا كان الفرق بين الذاتي والعرضي متعسرًا في أكثر المدركات الحسية، أقول: إذا كان كل ذلك حاصلًا، فكيف يدعي أن تصور العلم بالكنه بديهي وحصوله حتَّى لمن لا يتأتى منه النظر كالبله والصبيان؟
ولو أن الإمام الرازي قال: إن تصور العلم بوجه ما بديهي أو أن تصوره بخاصة - بحيث لو تصور العلم بها لامتاز في النفس عن جميع الإدراكات التي ليست بعلم كالشك والظن والوهم وغيرها من الصفات. نعم! لو قال ذلك لكان قولًا وجيهًا ورأيًا مقبولًا؛ فإن كل واحد يمكنه أن يتصور العلم بأنه انكشاف الأشياء، أو صفة بها الانكشاف، أو نوع من الإدراك والإحساس الباطني، أو غير ذلك .. هذا معنى ما وجهوه إلى الإمام الرازي في دعواه، ويمكن أن يجاب عنه: بأن مراده بضرورة تصور العلم بالكنه "أن معنى العلم أمر مرتكز في النفوس، فلكل واحد يجد من نفسه فرقًا بين علمه بالشيء أو ظنه له، أو شكه فيه، أو عدم علمه به، وإن لم يمكن التعبير بجنس العلم وفصله بل وإن لم يعرف معنى الجنس والفصل، أو معنى الذاتي والعرضي، كما يمكنه أن يتصور معنى الشجر والماء، ويفرق بين الأثير وبين الهواء، وإن لم يمكن التعبير عن كل ذلك بما يفيد تصور الماهية وكنهها، وهذا ولا شكَّ معقول مقبول، ولا يبعد أن مراد الإمام بضرورية العلم، ذلك" ولا يقولن قائل: لو كان العلم كما تقول: "معنى مرتكزًا في النفس متصورًا بالضرورة" للزم تعريفه؟ لأننا نقول: لا يلزم =

<<  <  ج: ص:  >  >>