قال العلامة السعد: "وإلى هذا ذهب كثير من المحققين حتى قال بعضهم: إن ما وقع فيه من الاختلاف إنما هو لشدة وضوحه لا لخفائه"، انتهى نقلًا عن المقاصد صفحة ٢٩، وابن الخشاب يقول: فما ذهبت في تفسير مذهب الإمام الرازي بضرورة العلم ها هو قد ذكره الإمام بنفسه وصرح به، ونصره صاحب المقاصد بقوله: وإلى هذا ذهب كثير من المحققين .. الخ. الدليل الثاني لهذا المذهب: "لو كان العلم نظريًا، لكان كاسبه إما نفسه أو غيره" لكن التالي باطل بشقيه، وكذا المقدم فلا يكون نظريًا فهو ضروري … وهذا دليلٌ شرطي: بيان الملازمة فيه، الترديد بين الشيء والمساوي لنقيضه، وهما لا يرتفعان، وبيان بطلان التالي: أن الشيء لو عرف بنفسه لكان معلومًا قبل أن يعلم، وذلك باطل؛ إذ كونه مطلوبًا أن يكون مجهولًا، وإلا لزم تحصيل الحاصل. ومقتضى كونه معرِّفًا، أن يكون معلومًا؛ لاستحالة الكسب بالمجهول، فمعلوم ومجهول: ضدان. واجتماعهما في محل واحد محال، وهما يستلزمان التناقض، وهو كونه معلومًا، لا معلومًا ولا مجهولًا، وذلك باطل، فبطل كون المعرف للشيء نفسه، وهو الشق الأول من التالي، وأما بطلان الشق الثاني؛ أي كونه يعرف بغيره؛ فلأن غير العلم إنما يعلم بالعلم، فلو علم العلم بغيره لزم الدور، وهو باطل؛ لتوقف الشيء على ما يتوقف عليه من جهة واحدة، فلزم أن يكون سابقًا على نفسه من حيث المعرفة، وهذا باطل بداهة "وهذا هو الدليل الثاني للإمام الرازي على دعواه: بداهة العلم بالكنه" وهو كما يُرى في ظاهره ينتج أن العلم ضروري ببطلان شقي التالي. هذا ما ينتجه بحسب الظاهر فقط، ولكن بعد فحص المقدمات: يمنع الدليل برُمَّته بمنع الاستثنائية في الشق الثاني، وذلك ما يعرف عند النظار بـ"النقض التفصيلي" أعني أننا سلمنا أن العلم لا يتعرف بنفسه، ولكن لا نسلم أنه لا يتعرف بغيره، وما أقيم على ذلك من الدليل لم يتم؛ لأن تصور العلم موقوف على تصور الغير، وتصور الغير موقوف على حصول العلم بذلك الغير لا على تصور العلم، فالحصول غير التصور، فلم يتوقف تصور العلم على تصور العلم، فلا دور باطل، فصح تعريف العلم بغيره؛ لأنَّهُ لا دور فيه، ولا محذور عليه، فلم ينفع ذلك الدليل في إثبات الدعوى. ولعل منشأ ذلك من الإمام عدم الفرق عنده بين الحصول والتصور، ولكن شتان بينهما. ينظر: كلام شيخنا الشيخ عبد القوي محرم في العلم المطلق.