للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بلزوم الثواب والعقاب للحسن والقبح، وإنما يحكمون بلزوم الرفع الذي منه المدح، وكونه معرضًا للثواب والوضع الذي منه الذم وكونه معرضًا للعقاب للطاعة والمعصية، وذلك من حال الفعل وما اشتمل عليه من مصلحة أو مفسدة.
فالغلط عليهم من جهتين: ذكر الثواب والعقاب وهما من لوازم التكليف لا من لوازم التحسين والتقبيح، والتكليف أخص وذكر العاجل والآجل. ثم إن جميعهم لا يوجبون الثواب والعقاب بعد التكليف بل اختلفوا في ذلك. فالبصرية يوجبون الثواب ويحسنون العقاب ققط، وللباري جل شأنه أن يسقطه عقلًا. والبغدادية يقولون: إن الثواب تفضل أي ليس له جهة وجوب في نفسه وإن وجب لما فيه من الصفات المقتضية لتوفر داعي الحكيم إلى فعله، لأن ما خلف الداعي إليه يتحتم فعله. هذا ما ذهبوا إليه في الثواب، وقد أوجبوا العقاب ولم يجيزوا العفو عقلًا - وقالوا: لأنه لطف للمكلفين وهو واجب عندهم. ثم إن التكليف عند هؤلاء يكفي في حسنه سابقة الإنعام، وأما عند البصرية فالمحسن للتكليف إنما هو لزوم الثواب وحسن العقاب، فمذهب الفريقين في الثواب والعقاب متعاكس، وعلى ذلك فمحل النزاع هو أنه هل للأفعال حقائق فإنفسها هي أهلٌ لأن تراعى وتؤثر على نقائضها وتستتبع الرفع من شأن المتصف بها؟ وحقائق هي في نفسها أهلٌ لأن يعدل عنها وتستتبع الوضع من شأن من اتصف بها أو ليس لها ذلك؟
فبالأول قالت المعتزلة، وبالثاني قالت الأشاعرة. ثم إن النزاع أيضًا في أنه هل أدرك العقل شيئًا من تلك الأمور الثابتة في نفس الأمر أم لا؟
فبالأول قالت المعتزلة، وبالثاني قالت الأشاعرة، وعدم إدراكها عندهم لعدم ثبوتها. لم يذكر هذا البعض ذلك القول مرسلًا بل استشهد فيما ذهب إليه من أن ما ذكروه ليس محلًا للنزاع بما ذكرته المعتزلة في عباراتهم لجدية مما نقل عن كتبهم.
فذكر عبارة أبي الحسين في تحديده، للقبيح، وهو قوله: ما ليس للمتمكن منه ومن العلم بحاله أن يفعله، يعني أن الإقدام عليه لا يلائم عقل العقلاء. فعبارة أبي الحسين لم يتعرض فيها لا للعقاب ولا للعاجل والآجل. وأيضًا فقد ذكروا عبارات في حد القبيح أصرح من ذلك إذ تعرضوا فيها لاستحقاق الذم، ولم يذكروا لا عقابًا ولا عاجلًا وآجلًا. إذ قالوا: إنه فعل يستحق الذم فاعله، وقالوا أيضًا: إنه فعل هو على صفة تؤثر في استحقاق الذم.
هذا ما ذكره البعض في بيان محل النزاع ومناقشته أن نقول: إنه لم يأت بكلام بعيد عما ذكرناه على أنه محل النزاع؛ إذ لم يعنِ باستحقاق العقاب والثواب على الفعل إلا الصلاحية لا لزوم الثواب والعقاب. هذا بعد تسليمنا بأن المعتزلة يقولون بأن الثواب والعقاب من لوازم التكليف لا من لوازم التحسين والتقبيح، على أننا لو سلمنا لهم ذلك، وسلمنا أيضًا - بأنهم لا يتعرضون لعاجلٍ ولا آجل - فهم بعد قولهم بلزوم التكليف للتحسين والتقبيح، فأدلة الأشاعرة قائمة في وجوههم، سواء أكان ما ذكره هو محل النزاع أو ما ما ذكرناه محل النزاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>