والنقصان، ولا شك أن كل كمال محمود، وكل نقص مذموم، وأن أصحاب الكمال محمودون لكمالاتهم، وأصحاب النقائص مذمومون بنقائصهم - فإنكاره الحسن والقبح بمعنى أنهما صفتان لأجلهما يحمد أو يذم الموصوف بهما في غاية التناقض. وإن أنكرهما بمعنى أنه لا يوجد في الفعل شيء يثاب الفاعل أو يعاقب لأجله، فنقول: إن عني أنه لم يجب على الله الإثابة أو العقاب لأجله فنحن نساعده على هذا، وإن عنى أنه لا يكون في معرض ذلك، فهذا بعيد عن الحق. وذلك لأن الثواب والعقاب آجلًا وإن كان لا يستقل العقل بمعرفة كيفيتهما لكن كل من علم أن الله عالم بالكليات والجزئيات فاعل بالاختيار قادر على كل شيء، وعلم أنه غريق نعمة الله في كل لمحة ولحظة ثم مع ذلك كله ينسب من الصفات والأفعال ما يعتقد أنه في غاية القبح والشناعة إلى الله تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، ولم ير بعقله أنه يستحق بذلك مذمة وإنه في معرض سخط عظيم وعذاب أليم، فقد سجل على غباوته ولجاجه إلخ ما قال. لم ينفرد بالمحاولة وحده فقد حاول مثل ذلك العضد، وهذه محاولة ولا شك نبيلة لولا أنها لم تجد إذ في تلك المحاولة قد ادعوا على الأشاعرة بأنهم يثبتون الوصفين أعنيء الكمال والنقص فما هو من قبيل الأفعال حتى يجيء التناقض ولكن الذي فهمناه من كلام الأشاعرة أنهم يثبتون ذلك فما هو من قبيل الفرائد كالعلم والجهل والصدق والكذب أي كونه شأنه الصدق وكونه شأنه الكذب، لا في مثل صدق وكذب وحصل الصدق وحصل الكذب، وحصل العلم وحصل الجهل. وعلى ذلك فهم سالمون من المناقضة ومقرون على الخلاف، والحاصل أنه قد التبس عليهم ما كان بمعنى الثبوت وما كان بمعنى الحدوث. إذا علمنا هذا جميعه فنقول: إن كلًّا من الفريقين لم يدع دعوى مجردة. بل عزز ما ذهب إليه بحجج بعضها تحقيقي وبعضها إلزامي متعرضًا لأدلة خصمه بالإبطال. فاحتجت الأشاعرة بأدلة تنفي ذاتية الحسن والقبح أي لثبوتهما للذات أو لصفة لازمة للذات ولا شك أن مثل تلك الحجج صدقت؛ فإنها لا تنهض إلا على المتقدمين من المعتزلة القائلين بأنهما للذات ومن بعدهم ممن قالوا بأنهما =