وإنما قلنا: إنه يلزم ذلك؛ "لأن حسن الفعل زائدٌ على مفهومه؛ وإلا، لزم من تعقل الفعل تعقُّلُه" - أي: تعقُّلُ حسنِهِ - والتَّالي باطل؛ إذ قد يُعْقل الفعل، ولا يخطر بالبال حسنُهُ ولا قبحُهُ.
"ويلزم" مع ثبوت زيادته على الفعل "وجودُهُ" - أي: أن يكون أمرًا وجوديًّا؛ "لأن نقيضه لا حُسْنَ، وهو سَلْبٌ.
وإلا" فلو لم يكن سلبًا، كان ثبوتيًّا، و"استلزم حصوله محلًّا موجودًا"؛ لامتناع قيام الصِّفة الثبوتية بالمعدوم؛ وهو صادق على المَعْدوم؛ إذ نصف (١) كثيرًا من المعدومات بأنها غير حَسَنَةٍ؛ فلا يكون ثبوتيًّا.
وإذا كان: لا حُسْنَ، أمرًا سلبيًا - لزم كون نقيضه، وهو الحُسْن - أمرًا ثبوتيًّا.
وأيضًا: إذا لم يصدق عليه أنه ليس بحُسن، صدق أنه حُسْن؛ إذ لا مَخْرَجَ عن النَّفْي والإثبات.
"ولم يكن ذاتيًّا"؛ إذ المعدوم لا يكون له صفةٌ إلا مقدرةً موهومة، وكيف تكون صفةٌ حقيقيةٌ ذاتيةٌ لما لا حقيقة له ولا ذات.
وإذا ثبت أن نقيضه سلبٌ، كان هو وجودًا؛ فقد ثبت أنه زائدٌ وجوديٌ، "وقد وُصِفَ الفعل به؛ فيلزم قيامُهُ به"، أي: قيامُ المعنى بالمعنى، أو قيامُ الحُسْن بالفعل؛ وهو قيام المعنى بالمعنى؛ والدليل على بطلان التالي؛ وهو قيام العرَضِ بالعَرَضِ: أن العرض الذي هو مَحَلُّ العَرَض لا بد، وأن يكون قائمًا بالجَوْهَرِ؛ دفعًا للتَّسَلْسُل، وقيامُ العرض بالجوهر لا معنى له إلا كونُهُ حاصلًا في الحيِّز؛ تبعًا لحصول الجَوْهَرِ فيه، فلو كان العرض قائمًا بالعرض، لزم حصوله في حَيِّزِ العَرَض الذي هو محلُّه؛ تبعًا لحصوله فيه؛ فَهُمَا قائمان بالجوهر؛ وإن كان قيام أحدهما به مشروطًا بقيام الآخر؛ كما في الأعراض المشروطة بالحياة.
وهذا الدليل اعتمده الآمِدِيُّ، وهو مبنيٌّ على امتناع قيام العَرَضِ بالعرض.
والخَصْم يمنعه؛ فإن السرعة والبُطْءَ عَرَضان قائمان بالحركة - وهي عَرَض - وليسا قائمين بالجِسْمِ؛ إذ يقال: جسم بطيء في حركته، ولا يقال: بطيء في جسميّته.