للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاعْتُرِضَ بإجْرَائِهِ فِي الْمُمْكِنِ؛ وَبِأَنَّ الاسْتِدْلالَ بِصُورَةِ النَّفْي عَلَى الْوُجُودِ دَوْرٌ؛ لأِنَّهُ قَدْ يَكُونُ ثُبُوتيًّا أَوْ مُنْقَسِمًا؛ فَلا يُفِيدُ ذلِكَ.

وَاسْتُدِلَّ: فِعْلُ الْعَبْدِ غَيْرُ مُخْتَارٍ؛ فَلا يَكُونُ حَسَنًا وَلا قَبِيحًا ...........

وأصحابنا يجيبون عن هذا المَنْع - كون البُطْء صفةً للحركة -؛ ويقولون: إنما هو عبارة عن تخلل السَّكتات؛ وكذلك السرعةُ عبارةٌ عن عدم التَّخلل؛ فيرجع حاصله إلى أن الجسم يسكُنُ في بعض الأحيان، ويتحرّك في بعضها؛ فيكون ذلك صفةً للجسم؛ لا للحركة، ويقولون (١) أيضًا: إن ما ذكره الخصوم لا يتأتى على مذهبهم أيضًا؛ لجواز أن تكون طبقاتُ الحركات أنواعًا مختلفة، وليس ثمَّ إلا الحركةُ المخصوصة، وأما السُرعة والبطء، فمن الأمور النِّسْبية؛ ولذلك تكون بطيئةً سَريعة بالنسبة إلى حركة؛ كالإنْسانِ مثلًا، سريعة بالنسبة إلى أخرى؛ كالفَرَس.

"واعتُرِضَ" الدَّليل أيضًا "بإجرائِهِ في المُمْكِنِ"؛ فيقال: إمكانُ الممكنِ زائدٌ على مفهومه، وهو ثبوتي؛ لأنه نقيض: (لا إمكان) العدميِّ، وقد وُصِفَ الفعلُ به؛ فيلزم قيام العَرَض بالعرض.

ولك أن تقول: الإمكان أمر اعتباريٌّ؛ لا وجود له في الخارج.

والخصم لا يمكنه الجوابُ بهذا؛ لأن الحسن والقبح عنده من الصفات الوجودية.

"وبأن الاستدلال بصورة (٢) النَّفي"، وكونه سلبًا "على الوجود" - أي: وجود المنفى - "دورٌ؛ لأنه" إنما نعلم أن: لا حُسْن، أمر سلبيٌّ؛ إذا علمنا أنه نقيض الحُسْن، وأن الحسن أمرٌ وجوديٌّ؛ فإن نقيض الوجودي سلبي؛ فلو استدللنا على أن الحسن جودي؛ بأن نقيضه سلبي، لزم الدور؛ وهذا لأنه "قد يكون" السلب "ثبوتيًّا"؛ كاللامعدوم، "أو منقسمًا" إلى الوجودي والعدمي، كاللاممكن؛ فإنه ينقسم إلى الواجب - وهو وجوديٌّ -، والممتنعِ - وهو عدميٌّ؛ "فلا يفيد" الاستدلالُ بصورة النّفي "ذلك" المطلوبَ.

ولك دفع الدور؛ بانَّ عِلْمَنا بأن: لا حُسْنَ سلبي - ليس مستندًا إلى أنه نقيضُ الحسن؛ حتى يلزم الدَّوْرُ؛ وإنما هو مستند إلى أنه لو كان ثبوتيًّا، استلزم محلًّا موجودًا.

الشرح: "واستدل" ثانيًا على أن الحسن والقبح ليسا ذاتيين بما تقريره أن تقول (٣): "فعلُ العبد غير مختار" - وحينئذٍ يكون إما اضطراريًّا أو اتفاقيًّا - "فلا يكون حسنًا ولا قبيحًا لذاته؛


(١) في ت زيادة: (إنما هو عبارة) ولا موضع لها.
(٢) في ت: تصوره.
(٣) في أ، ت، ح: يقول.

<<  <  ج: ص:  >  >>