للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَحَبَّ مَمْلُوكُهُ قَطْرَةً، فَكَيْفَ يُدْرِكُ تَحْرِيمَهَا عَقْلًا.

قَالُوا: تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ. قُلنا: يَنْبَنِي عَلَى السَّمْعِ، وَلَوْ سُلِّمَ، فَفِيمَنْ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ مَا، وَلَوْ سُلِّمَ، فَمُعَارَضٌ بِالضَّرَر النَّاجِزِ.

مستغنٍ عنه، "وأحب (١) مملوكه قطرة"، وهو عطشان لاهِثٌ، "فكيف يدرك تحريمها عقلًا" حتى يقضى به.

وهذا الكلام من الأستاذ واضح في تسفيه رأي الخصوم، وفي أن الكلام في الضروري والاختياري سواء، إذ مثل بالعطشان اللَّاهث.

ولكن قال الإمام: لا حاجة إليه مع وضوح مسلك البُرْهَانِ.

الشرح: "قالوا: تصرّف في ملك الغير" بغير إذنه، فيكون حرامًا.

"قلنا": لا نسلِّم، بل "يبنى على السَّمع"، ولولا ورود السمع لما عرفنا تحريم التصرّف في ملك الغير، وإن كنا قائلين بقاعدة العَقْلِ.

"ولو سلم" أنه مما يدرك تحريمه عقلًا "ففيمن يلحقه ضرر" بالتصرّف في ملكه لا على الإطلاق والله - تعالى - منزّه عن لحاقِ الضرر، فلا يقبح عقلًا التصرف في ملكه.

"ولو سلم" أنه لا يجوز التصرُّف في ملك الغير مطلقًا، سواء كان ممن يلحقه ضرر أم لا. "فمعارض بالضرر النَّاجز"، فإنه لو لم يتصرف، وانتظر الإذن الشرعي لتضرر في الحال بترك اللَّذة العاجلة، والعقل يقضي بالاحتراز من الضَّرر العاجل، فهذا تمام الرد على القائلين بالحظر (٢).


(١) في ج: وأخذ.
(٢) القائلون بالحظر قالوا: إن مباشرة الأفعال المذكورة تصرف في ملك الغير بغير إذنه فيكون حرامًا كما في الشاهد، أجاب المصنف عنه بأن كون التصرف في ملك الغير حرامًا ينبني على السمع، ولا سمع قبل الشرع، فلا يحكم بكونه حرامًا، ولو سلم أنه علم بالعقل لا بالسمع أن التصرف في ملك الغير حرام ولكن لا نسلم أن التصرف في ملك الغير مطلقًا حرام عقلًا، بل التصرف في ملك من يلحقه ضرر حرام عقلًا أما غيره فلا، كالاستظلال بجدار الغير والاقتباس من نار غيره، ولو سلم أن التصرف في ملك الغير مطلقًا سواء تضرر به أو لم يتضرر حرام عقلًا لأنه يجوز أن يتضرر المتصرف به آجلًا، لكنه معارض بالضرر الناجز أي الحاضر؛ فإن الترك يوجب الضرر في الحال، ودفع الضرر واجب عقلًا، واعتبار الحاضر أولى. قيل في هذه المعارضة نظر؛ لأن صورة الضرر الناجز هي التي يقضي العقل فيها بالقبح، وهي لا تكون محل النزاع، بل النزاع إنما كان في سورة لا يهتدي العقل إلى حسنها وقبحها. أجيب بأن المراد بقوله بالضرر الناجز جواز الضرر الناجز بطريق الاحتمال لا=

<<  <  ج: ص:  >  >>