للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ المخَيَّرُ فِيهِ وَاحِدًا لا بِعَيْنِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَحَدُهَا. فَإِنْ تَعَدَّدَا، لَزِمَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ

المتعلّقين" - متعلّقي الوجوب والتخيير - واحدًا، "كما لو حرم واحدًا وأوجب واحدًا" من الأمرين، فإِن معناه: أيهما فعلت حرم الآخر، وأيهما تركت وجب الآخر، والتخيير بين واجب وغيره بهذا المعنى جائزٌ، كما أن الصَّحيح فيمن قال لامرأته: أنت عَلَيَّ حرام كظهر أمي، ونوى الطَّلاق والظّهار معًا بقوله: حرام، أنه يخير في الأخذ بما شاء من الطلاق والظّهار، وأيهما أخذ به حرم الآخر.

وكذا - على وجه - المُبتدأة الَّتي لا تَمْييز لها إِذا عرفت ابتداء دمها، وقلنا: تحيض سِتًا أو سبعًا - أن ذلك على سبيل التخيير.

وعلى هذا إِن شاءت السّت، وجب عليها في اليوم السَّابع الصَّلاة والصوم، وإلا حرما، فهي في السَّابع مخيّرة بين أمرين أيهما أخذت به حرم الآخر.

وإِنما ذكرنا هذين المثالين للتقريب، وإِلَّا فقد يضايق (١) فيهما؛ لأن تحريم أحدهما وإِن كان منهما فليس بالأصالةِ، كما في: حرمت أحدهما لا بعينه، وأوجبت الآخر، والفرض أن مثل ذلك لا يمتنع، وإِنما الممتنع التخيير بين واجبٍ بعينه، وغير واجبٍ بعينه (٢)، على ما فيه من النَّظر؛ إِذ لقائلٍ أن يقول: قد خُيِّرَ النبيّ ليلة الإِسراء بين الخَمْرِ (٣) واللَّبَنِ.

وقيل فيه: إِن ذلك كان في السماء، وليست عالم تكليف، وأنه كان من خمر الجنَّة، وليس بحرام.

ويمكن أن يقال: إِنه على ما به، وخُيِّرَ بين واجب وحرام، لعلم الله - تعالى - أنه لا يقع منه الحرام، ويتجوز (٤) بهذا أنَّ التخيير بين واجب وحرام، إِنما يمتنع إِذا كان المخاطب ممن لا يبعد إِتيانه لكلّ منهما، أما إِذا امتنع عليه الإِتيان بالحَرَام، وعُصِم عنه فلا.


(١) في ب، ج، ح: تضايق.
(٢) سقط في ت.
(٣) في أ، ت، ح: الآخر.
(٤) في حاشية ج: قوله: ويتجوز بهذا … إِلخ وبه يجاب عن حديث: "ما خُيِّرَ رسول الله بين أمرين إِلا اختار أيسرهما ما لم يكن إِثمًا" ويمكن أن "ما" زمانية، أي مدة عدم كونه إِثمًا، ويكون ذلك فيما نسخ حله، أي يختار الأيسر ما لم ينسخ حله، كاستغفاره للمنافقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>