للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ، وَإِنِ اتَّحَدَا، لَزِمَ اجْتِمَاعُ التَّخْيِيرِ وَالْوُجُوبِ. وَأُجِيبَ بِلُزُومِهِ فِي

فإِن قلت: وأي فائدة فيه حينئذٍ؟

قلت: رفع درجته بكونه قد تعاطى اختيار الحَلالِ؟

وفي قصَّة الإِسراء (١) زيادة لطيفة، وهي أن شرب اللَّبن سبب هداية هذه الأمة، ولو شرب الخمر لغوت أمته - كما أخبر به جبريل فوقع التخيير بينهما، ليختار اللَّبن فتقع هداية أمته على يديه، ويكون هو السَّببُ فيها.

وهذا كلّه حائد عن مقصدنا، والغرضُ من جواب المصنّف أن متعلّق الوجوب هو القدر المشترك بين الخِصَالِ، ولا تخيير فيه، ومتعلّق التخيير خصوصيات الخِصَالِ، ولا وجوب فيها.

وكان أبي يسلك في الجواب مسلكًا فائقًا عائدًا على هذا الجواب بمزيد تحرير، فيقول (٢): القدر المشترك يقال: على المتواطئ، كالرجل، ولا إِيهام فيه، فإِن حقيقته معلومة متميزة عن غيرها من الحقائق.

وقال: على (٣) المبهم بين شيئين أو أشياء، كأحد الرجلين.

والفرق بينهما: أنَّ الأول لم يقصد فيه إِلا الحقيقة الَّتي هي مسمى الرجولية، والثَّاني: قصد فيه أخص من ذلك، وهو أحد الشَّخصين بعينه، وإِن لم يعين، ولذلك سُمِّيَ مبهمًا؛ لأنه أُبْهِمَ علينا أمره، والأول لم يقل أحد: إِن الوجوب يتعلّق بخصوصياته كالأمر بالإِعتاق (٤)، فإِنَّ مسمى الإِعتاق، ومسمى الرقبة متواطئ كالرجل، فلا تعلّق للأمر بالخصوصيات لا على التعيين، ولا على التخيير، ولا يقال فيه: واجبٌ مخيَّرٌ، ولا يأتي فيه الخلاف الذي في المخير، وأكثر أوامر الشريعة من ذلك.

والثَّاني: متعلّق بالخصوصيات؛ فلذلك وقع الخلاف فيه، وسمي الواجب المخيّر.

وبهذا تبيّن لك أن وجوب تزويج أحد الخاطبين، وإِعتاق واحد من الجنس اللذين ذكرهما


(١) أخرجه البخاري ٧/ ٢٤١، كتاب مناقب الأنصار: باب المعراج (٣٨٨٧)، ومسلم (١/ ١٤٩) ١٥٠ - ١٥١، كتاب الإِيمان: باب الإِسراء (٢٦٤ - ١٦٤).
(٢) في ب: فنقول.
(٣) في ح: عليه.
(٤) في ج: بالاعتناق.

<<  <  ج: ص:  >  >>