للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقيل: إِن كان سببًا لتحصيل الواجب كان واجبًا، وإِن كان شرطًا فلا، وربما أوهم إِطلاق


= وعن جابر قال: "كنا مع النبيِّ فَقَدِمَتْ سُوَيْقَة، فخرج الناس إِليها، فلم يبقَ إِلا اثنا عشر رجلًا أنا فيهم، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾ إِلخ الآية، رواه مسلم وما يشترط للابتداء يشترط للاستدامة. يدلّ للشافعية ما رواه البيهقي عن ابن مسعود أَنه جَمَعَ بـ "المَدِينَةِ" وكانوا أَربعين رجلًا".
قال في "المجموع": قال أصحابنا: وجه الدلالة أن الأُمة أجمعوا على اشتراط العدد، فلا تصح الجمعة إِلا بعدد ثبت فيه توقيف، وقد ثبت جوازها بأربعين، وثبت "صلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أُصَلِّي"، ولم تثبت صلاته لها بأقل من ذلك، فلا تجوز بأقل منه. أما قول الثلاثة وقول الأربعة؛ فتحكم بالرأي فيما لا مدخل له فيه؛ فإِن التقديرات بابها التوقيف، فلا مدخل للرأي فيها، ولا معنى لاشتراط كونه جمعًا، ولا للزيادة مع الجمع؛ إِذ لا نص في هذا، ولا معنى نص: ولو كان الجمع كافيًا لاكتفى بالاثنين، فإِن الجمعة تنعقد بهما. فأما من روى أنهم كانوا اثني عشر رجلًا، فلا يصح، فإِن ما رويناه أصح منه. رواه أصحاب السنن.
وأما الخبر الآخر، وهو خبر الانفضاض، فليس فيه أنه ابتدأها باثني عشر رجلًا، بل يحتمل عودهم أو عود غيرهم مع سماعهم أركان الخطبة، وفي مسلم "انفضُّحوا في الخُطْبَة" وفي رواية للبخاري "انْفَضُّحوا في الصَّلاةِ" وهي محمولة على الخطبة جمعًا بين الأخبار، فتمت دلالتنا. وعلى ذلك لا تنعقد الجمعة إِلا بأربعين، ولو أُميين في درجة.
فإِن قيل: لم اختصت الجمعة بأربعين رجلًا من بين سائر الصلوات؟ ولم اختصت الأربعون بذلك من بين سائر الأعداد به؟ قال الأصبحي: إِنما كان كذلك لأن الجمعة إِنما شُرعت لمباهاة أهل الذمة، ولا يحصل ذلك إِلا بعدد، والأولى من الأعداد ما أظهر الله به الإِسلام، وهو الأربعون، فهذا هو المعنى في ذلك. ذكره الشيخ أبو إِسحاق في النكت. قال بعضهم: ويمكن أن يقال: إِنما اختصت بهذا العدد لأن خير الطلائع أربعون. سبق أن قلنا: تنعقد بأربعين ولو أميين في درجة، فلو كان في الأربعين أمي واحد أو أكثر لم تصح الجمعة؛ لارتباط صحّة صلاة بعضهم ببعض، فصار كاقتداء القارئ بالأمي. نقل هذا الأذرعي عن فتاوى البغوي، واستظهر بعضهم أن هذا محله إِذا قصَّر الأمي في التعلم، وإِلا فتصح الجمعة إِن كان الإِمام قارئًا، وفي صفة الأئمة أن الأميين إِذا لم يكونوا في درجة لا يصح اقتداء بعضهم ببعض. ويشترط في الأربعين أن يكونوا ذكورًا مكلفين أحرارًا متوطنين ببلد الجمعة، لا يظعنون شتاء ولا صيفًا إِلا لحاجة كتجارة .. وزيارة، لأنه لم يُجَمِّع بحجة الوداع مع عزمه على الإِقامة أيامًا لعدم الاستيطان، وكان يوم عرفة فيها يوم جمعة كما ثبت في الصحيحين، وصلى الظهر والعصر تقديمًا كما ثبت في رواية مسلم، وهذه الصفات المذكورة معتبرة هنا للانعقاد بخلافها فيما تقدم، فاعتبارها للوجوب، فلا تنعقد بالنساء والخناثي وغير المكلفين، ومن فيه رق .. لنقصهم، ولا بغير المتوطنين كمن أقام مصرًا على العود إِلى بلده، ولو بعد مدة =

<<  <  ج: ص:  >  >>