للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عاقل حين جنايته ما جنى لأجل أن شربه الخَمْر معصية، وهي طريق إلى زوال العقل، فزوالٌ


= ولا وجد في شيء من كتبه القديمة، ولذلك اختلف أصحابنا: هل يصح تخريجه قولًا ثانيًا للشافعي في القديم أم لا، فذهبت طائفة إلى صحة تخريجه؛ لأن المزني ثقة فيما يرويه ضابط لما ينقله ويحكيه. وذهب الأكثرون إلى أنه لا يصح تخريجه، وليس في طلاق السكران إلا قول واحد أنه يقع؛ لأن المزني وإن كان ثقة ضابطًا فأصحاب القديم بمذهبه أعرف.
استدلوا أولًا على ألا ينفذ شيء من ذلك بخبر ماعز عندما أقر للنبي بالزنى، فقال له الرسول: "أبك جنون؟ فقال: لا، فقال أشربت الخمر؟ فقال: لا، فقام رجل فاستنكهه فلم يجد فيه ريح خمر" أي أن الإسكار يسقط الإقرار. ويجاب عنه بأنه ليس في الحديث ما يفيد أنه شرب الخمر متعديًا، بل يحتمل أنه جوز ذلك لسكر لم يتعد به، فسأله عنه، والدليل متى تطرقه الاحتمال سقط به الاستدلال. واستدلوا ثانيًا. بأنه ليس له فهم وقصد صحيح، ويجاب عنه بأن ما عنده من القصد والفهم يكفي على أن وقوع طلاقه من قبيل ربط الأحكام بالأسباب تغليظًا عليه.
الطريقة الثانية: تفرق بين تصرف له كالنكاح والشراء فلا ينفذ، وبين ما عليه من التصرفات كالطلاق والإقرار والضمان فينفذ تغليظًا عليه لينزجر. فإذا صح أن طلاق السكران واقع، فقد اختلف أصحابنا في علة وقوعه على ثلاثة أوجه: أحدها: وهو قول أبي العباس بن سريج: العلة في وقوعه أنه متهم فيه لنفسه، ولا يُعلم سكره إلا من جهته. فعلى هذا يلزمه الطلاق وجميع الأحكام المغلظة والمخففة في الظاهر دون الباطن، ويكون مدينًا فيما بينه وبين الله تعالى. ثانيها: أن العلة في وقوع طلاقه أنه بالمعصية مغلظ عليه، فعلى هذا يلزمه كل ما كان مغلظًا من الطلاق والظهار والعتق والردة والحدود .. ولا يصح منه ما كان تخفيفًا كالنكاح والرجعة وقبول الهبات والوصايا. ثالثها: وهو قول الجمهور أن العلة في وقوع طلاقه، إسقاط حكم سكره، وأنه كالصاحي. فعلى هذا يصح منه ما كان تغليظًا وتخفيفًا ظاهرًا وباطنًا. وهذه العلة توافق نص الشافعي على صحة رجعته وإسلامه من الردة.
الضرب الثاني: أن يسكر بشرب دواء لا بقصد التداوي بل لقصد السكر. ففي وقوع طلاقه وجهان:
أحدهما: أن يكون في حكم المسكر من الشراب في وقوع طلاقه ومؤاخذته به بأحكامه على ما ذكر.
لمؤاخذته بسكره. ومعصيته بتناوله كمعصيته بتناول الشراب. ثانيهما: وبه قال أبو حنيفة أنه لا يقع طلاقه ولا يؤاخذ بأحكامه، ويكون في حكم المغشي عليه، وإن كان عاصيًا؛ لأن ذلك ليس مطربًا يدعو النفوس إلى تناوله كالشراب. ولذلك لم يغلظ بالحد، فلم يغلظ بوقوع الطلاق. والصريح والكناية في حقه سواء. خلافًا لابن الرفعة فإنه قال: "الكناية تحتاج لنية، وهي مستحبلة في حق السكران". ويرد بما قالوه من أن الصريح يعتبر فيه قصد اللفظ لمعناه، وذلك مستحيل في حقه، فكما أوقعوا عليه الطلاق بالصريح ولم ينظروا لذلك، فكذلك الكناية مع النية سواء أخبر بها عن نفسه حال السكر أو بعده، وكونها يشترط فيها قصدان وفي الصريح قصد لا يؤثر؛ لأن الملحظ=

<<  <  ج: ص:  >  >>