للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العقل كالمكتسب (١) له بسببه، وإن كان لا [صنع] (٢) له فيه لكان أوضح، لكون الجناية الواقعة الآن ليست كَفِعْلٍ يقضي مثل ما يقضي زمن الغَضبِ، بل هي فعلٌ شرعَ فيه السّكران كما شرع الغاصب في الخروج من الدار.

ثم ذكر إمام الحرمين (٣) أن غرضه يظهر بمسألة ألقاها أبو هاشم فحارت فيها عقول الفقهاء، وهي أن من توسّط جمعًا من الجَرْحَى، وجثم على صدر واحد منهم، وعلم أنه لو بقي (٤) على ما هو عليه لَهَلَكَ من تحته، ولو انتقل لهلك آخر، بعني مع تساوي الرجلين في جميع الخِصَالِ.

قال (٥): وهذه المسألة لم أتحصل فيها من قول الفقهاء على ثبت، فالوجه المقطوع به سقوط التكليف عن صاحب الواقعة مع استمرار حكم سخط الله عليه وغضبه.

ووجه السقوط استحالةُ التكليف بالمُحَال، واستمرار العصيان بسببه (٦) إلى ما لا مخلص منه.

ولو فرض إلقاء رجل على صدر آخر بحيث لا يُنْسب الواقع إلى اختيار فلا [تكليف] (٧) ولا عصيان.

وقال الغَزَالِيُّ: يحتمل ذلك، ويحتمل أن يقال: يمكن (٨)، فإن الانتقال فعل مستأنف، ويحتمل التخيير.


= المقنضى للوقوع في الصريح إسقاط حكم سكره وجعله كالصاحي، وهذا موجود في الكناية.
ويرجع في حد السكران إلى العرف، فإذا انتهى تغيره إلى حالة يقع عليه اسم السكران عرفًا فهو محل الخلاف في المتعدى، وعدم الوقوع في غير المتعدي. وقبل هذه الحالة تنفذ جميع تصرفاته تعدى أم لا؛ لوجود العقل. وعن الشافعي : هو الذي اختل كلامه المنظوم، وانكشف سره المكتوم. وقال إمام الحرمين: "شارب الخمر تعتريه ثلاثة أحوال: إحداها هزة ونشاط إذا دبت الخمرة فيه، ولم تستول عليه؛ فينفذ الطلاق فيها قطعًا لبقاء العقل. ثانيها: نهاية السكر، وهو أن يصير طافحًا يسقط كالمغشي عليه، لا يتكلم ولا يكاد يتحرك، وهذه لا ينفذ الطلاق فيها، إذ لا قصد له قياسًا على المغشي عليه. (وهذا خلاف المعتمد، لأن تعديه بالتسبب إلى هذه الحالة اقتضى نفوذ جميع تصرفاته له وعليه) ثالثها: متوسط بينهما، وهي أن تختلط أحواله فلا تنتظم أقواله وأفعاله وبقى تميز وكلام وفهم، وهذه الحالة محل الخلاف في تصرفاته.
(١) في ح: كالمتسبب.
(٢) في ب: صنيع.
(٣) ينظر: البرهان ١/ ٣٠٢ (٢١٢).
(٤) في ح: أبقى.
(٥) ينظر: البرهان ١/ ٣٠٢ (٢١٢).
(٦) في ج: بتسببه.
(٧) سقط في ج، ح.
(٨) في ب: يمكث.

<<  <  ج: ص:  >  >>