للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وسيكون لنا عَوْدَةٌ إلى هذا في أخبار الآحاد.

وبلغنا أن الغزالي قال للإمام: كيف قلت: لا حكمَ، وأنت ترى أنه لا تخلو واقعةٌ عن حكمٍ؟ فقال: حكم الله ألا حكم، فقال الغزالي: لا أفهم هذا.

قال ابن الأنباري: وهذا تأدب من الغزالي، وهذا القول غير مفهوم في نفسه وهو متناقض.

قلت: ويمكن أن يقال: إن الله تعالى حكم بانتفاء الأحكام الخمسة التي هي الاقتضاء والتخيير، وتكون البراءةُ الأصلية حكمًا لله تعالى بهذا الاعتبار، فإن تركه الخلق على قضيتها قضاء منه بها، وليس هو القضاء في الأحكام الخمسة.

وقد عدّ الغزالي ما قاله الإمام من المحتملات مع قوله أيضًا بألّا تخلو واقعة عن حكم.

فإن قلت: ما قولكم فيمن كسر رجله، أو ألقى بنفسه من سطح، هل يقضي الصلاة قاعدًا؟.

قُلْتُ: قال الغزالي: لا، وينبغي مساق كلام الإمام إن كان فعل ذلك ذريعةً للصلاة قاعدًا أن ينسحب عليه حكم العصيان، بل ويجب القضاء.

قال الإمام (١): ومما أخرجه على ذلك أن من واقع قريب الفجر قاصدًا إيقاع ذلك الوقاع بحيث إذا طلع الفجر اقترن بِمَطْلَعِهِ الانكفاف والنزع (٢)، فسد صومه من جهة سببه (٣) إلى وضع المخالطة في مقارنة الفجر وإن كان مُنْكَفًّا، وإن خالط أهله ظانًّا أنه في مهل من بقية الليل، ثم ابتدره الفَجْر فابتدر النزع فلا يفسد.

والفقهاء لا يفصلون هذا التفصيل، ويحكمون بأن النازع لا يفطر، وإن قصد وتعمّد في الصورة التي فرضناها من جهة أنه نازع مع أول الفَجْرِ.

قلت: وقد حكى الأصحاب فيما إذا قال لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثًا وجهين:

أحدهما: أنه بعد مضي مدة الإيلاء (٤) يطالب بالطَّلاق على


(١) ينظر البرهان ١/ ٣٠٣ (٢١٢).
(٢) في ب: والمنزع.
(٣) في ب: لسببه.
(٤) الإيلاء لغة: بالمد: الحلف، وهو: مصدر. يقال: آلى بمدة بعد الهمزة، يؤلي إيلاءً، وتألَّى وأتلى، والأليَّة، بوزن فعيلة: اليمين، وجمعها ألايا: بوزن خطايا، قال الشاعر: [الطويل]
قليل الألايا حافظ ليمِينه … وإن سبقت فيه الأليَّة برَّت =

<<  <  ج: ص:  >  >>