(١) وسبب اختلافهم ما رووه عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رجلًا من بني مدلج يقال له: قتادة حذف ابنًا له بالسيف، فأصاب سيفه فسرى جرحه، فمات فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له، فقال له عمر: اعدد علي ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك، فلما قدم عليه عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ثم قال: "أين أخو المقتول؟ فقال: ها أنا ذا، قال: خذها فإن رسول الله ﷺ قال: ليس لقاتل شيء" فإن مالكًا حمل هذا الحديث على أنه لم يكن عمدًا محضًا، وأثبت منه شبه العمد فيما بين الابن والأب. وأما الجمهور فحملوه على ظاهره من أنه عمد؛ لإجماعهم أن من حذف آخر بسيف فقتله، فهو عمد. وأما مالك فرأى لما للأب من التسلط على تأديب ابنه ومن المحبة له أن حمل القتل الذي يكون في أمثال هذه الأحوال على أنه ليس بعمد، ولم يتهمه إذا كان ليس بقتل غيلة، فإنما يحمل فاعله على أنه قصد القتل من جهة غلبة الظن وقوة التهمة إذا كانت النيات لا يطلع عليها إلا الله تعالى، فمالك لم يتهم الأب حيث اتهم الأجنبي؛ لقوة المحبة التي بين الأب والابن. والجمهور إنما عللوا درء الحد عن الأب لمكان حقه على الابن، والذي يجيء على أصول أهل الظاهر أن يقاد. فهذا هو القول في الموجب. ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد إلى عدم القصاص؛ لأن الأبوة مانعة من وجوب القصاص، فلا يقتل الأب بابنه، قال الشافعي: حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم: ألا يقتل الوالد بالولد، وبذلك أقول: وإلى هذا ذهب الجماهير من الصحابة وغيرهم كالهادوية والحنفية والشافعية وأحمد وإسحاق؛ لأن الأب سب لوجود الولد، فلا يكون الولد سببًا لإعدامه. وذهب الإمام مالك ﵀ إلى أن الأبوة لا تمنع من وجوب القصاص إذا وجد القصد الجنائي، وذهب عثمان البتي إلى أنه يقاد الوالد بالولد مطلقًا. واستدل الجمهور بالكناب والسنة؛ فأما الكتاب فقوله تعالى: ﴿إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف. . .﴾ [الإسراء / ٢٣] وجه الدلالة من هذه الآية أمر الله تعالى ابن آدم بخفض الجناح، وهو على عمومه لم يخص حالًا دون آخر، فيكون القود ضد خفض الجناح.=