للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: لَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ، لَمْ يُعْلَمْ إِحَالَةُ الْجمْع بَيْنَ الضِّدَّيْنِ؛ لأِنَّ الْعِلْمَ بِصِفَةِ الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ. قُلْنَا: الْجَمْعُ الْمُتَصَوَّرُ جَمْعُ الْمُخْتَلِفَاتِ، وَهُوَ الْمَحْكُومُ بِنَفْيِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهِ مَنْفِيًّا عَنِ الضِّدَّيْنِ تَصَوُّرُهُ مُثْبَتًا.

وهو ضرب من الممتنع لغيره، والجماهير على وقوعه أيضًا، وقد كلف الله الثقلين جميعًا بالإيمان مع قوله: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣].

وإن وجدت على (١) أحد هنا [خلافًا] (٢) فاعلم أنه من القائلين بأن للعبد قدرةً تؤثر، كالقدرية.

فإذن أبو جهل - مثلًا - مكلّف (٣) بالإيمان بإجماع المسلمين مع علم الله تعالى أنه لا يؤمن بإجماع المسلمين، ولم يمنع علم الله بأنه لا يؤمن [من] (٤) تكليفه.

أما عندنا فلأنا نكلّف بالممتنع لغيره، وأما عند غيرنا فلأنه قادرٌ فرَّطَ في حقّ نفسه، فيعاقب على كَفّه عن الإيمان مع قدرته عليه، فافهم هذا.

قال: "لنا لو صَحّ التكليف بالمستحيل" لذاته "لكان مستدعى الحصول، لأنه" - أي: استدعاء الحصول "معنى الطلب، ولا يصح" كونه مستدعى الحصول، "لأنه لا يتصور وقوعه".

"واستدعاء حصوله فرعه" - أي: فرع تصوّر الوقوع - لاستحالة (٥) استدعاء ما لا يتصّور.

وإنما [لا] يتصوّر وقوعه، "لأنه لو تصوّر مثبتًا" (٦) - أي: لو تصور وقوعه من المكلف "لزم تصور الأمر على خلاف ماهِيَّته، وهو محال"، فإن ماهيته تنافي ثبوته، وإلَّا لم يكن ممتنعًا لذاته.

الشرح: "فإن قيل: لو لم يتصور" وقوع المحال "لم يعلم إحالة الجمع بين الضّدين" أي: كان يمتنع التَّصديق بذلك؛ "لأن العلم" - أي: التصديق - "بصفة الشيء فرع" وقوعه.

"قلنا: الجمع المتصوّر جمع المختلفات" - أي: الجمع بين المختلفات التي ليست متضادة "وهو المحكوم بنفيه" عن الضِّدين، "ولا يلزم من تصوره منفيًا عن الضِّدين تصوره مثبتًا"، فلا يلزم تصور وقوع المحال.


(١) في أ، ب، ح: عن.
(٢) سقط في ح.
(٣) في أ، ح: تكلف.
(٤) سقط في ح.
(٥) في ت: لاستحالته.
(٦) في أ، ح: ثبتًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>