وأما أفعال النائم فقد اختلفوا فيها، فقال بعضهم: إنها مقدورة مكتسبة للنائم، والنوم لا يضاد القدرة، وإن كان يضاد العلم وغيره من الإدراكات، وقال بعضهم: إنها غير مقدورة له، وأن النوم يضاد القدرة كما يضاد العلم، وبعضهم لا يقطع بكونها مكتسبة، ولا بكونها ضرورية بل كل من الأمرين ممكن. وقد استدل القائلون بأن أفعال النائم مقدورة له بما يأتي: أولًا: بأن النائم كان قادرًا في يقظته، وقدرته باقية، والنوم لا ينافيها، فوجب استصحاب حكمها. ثانيًا: بأن النائم إذا انتبه فهو على ما كان عليه في نومه، ولا يتجدد أمر وراء زوال النوم، وهو قادر بعد الانتباه، وزوال النوم غير موجب للاقتدار، ولا وجوده نافيًا للقدرة. ثالثًا: قد يوجد من النائم ما لو وجد منه في حال اليقظة، لكان واقعًا على حسب الداعي والاختبار؛ والنوم وإن نافى المقصد فلا ينافي القدرة. رابعًا: نجد تفرقة ضرورية بين حركة النائم، وحركة المرتعش، وما ذاك إلا أن حركته مقدورة له، وحركة المرتعش غير مقدورة له. وقال النافون للقدرة: قولكم: النوم لا ينافي القدرة دعوى كاذبة؛ فإن النائم منفعل محضًا "متأثر صرفًا" ولهذا لا يمتنع ممن يؤثر فيه. وقولكم: لم يتجدد له أمر غير زوال النوم؛ غَيْر مسلم به؛ لأن التجدد: زوال المانع من القدرة، فعاد إلى ما كان عليه، كمن أوثق غيره رباطًا، ومنعه من الحركة، فإذا حُلَّ رباطه تجدد زوال المانع. والتحقيق أن حركة النائم ضرورية له غير مكتسبة، وكما في قنا في حق المستيقظ بين حركة ارتعاشه وحركة تصفيقه، كذلك نجد تفرقة ضرورية بين حركة النائم وحركة المستيقظ. وعلى كل حال فالمثبتون للفدرة - وهم المعتزلة وبعض الأشعرية - والنافون لها وهم: أبو إسحاق وغيره، والمتوقفون في ذلك، وهم جمهور الأشعرية، والقاضي أبو بكر، متفقون على أن أفعال النائم غير داخلة تحت التكليف. وأما أفعال الساهي فاختيارية؛ لأنه وإن كان يفعل الفعل مع غفلته وذهوله، فهو إنما يفعله بقدرته؛ إذ=