للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَنَا: لَوْ لَمْ يَصِحَّ، لَمْ يَعْصِ أَحَدٌ أَبَدًا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ شَرْطُ وُقُوعِهِ مِنْ إِرَادَةِ قدِيمَةٍ أَوْ حَادِثَةٍ، وَأَيْضًا، لَوْ لَمْ يَصِحَّ، لَمْ يُعْلَمْ تكلِيفٌ؛ لأَنَّهُ بَعْدَهُ وَمَعَهُ .........

الإمكان شرط التكليف، والجاهل بوقوع الشرط جاهل بالمشروط لا محالة .. قال أصحابنا: بالأول.

وقال المعتزلة: بالثاني، واختاره إمام الحرمين.

فهي في الحقيقة اختلاف في زَمَن تحقُّق الوجوب على المكلّف لا في صحة التكليف وعدمه. ولكن عبارة الكتاب قاصرة، فالفعل الممكن بذاته إذا أمر اللهُ - تعالى - به عبده فسمع الأمر في زمن، ثم فهمه في زمن يليه هل يعلم العبد إذ ذاك أنه مأمور مع أن من المحتملات أن يقطعه عن الفعل قاطع عَجْز أو موتٍ أو نحوهما، أو يكون شاكًّا في ذلك؛ لأن التكليف مشروطٌ بالسلامة في العاقبة، وهو لا يتحققها أصحابنا على الأول، فيرون تحققًا مستفادًا من صيغة الأمر، وإنما الشَّك في رافع يرفع المستقر (١)، والقوم على العَكس.

وربما أثر هذا الخلاف في النِّيَّة، فيلزم القوم ألا توجد نيَّة جازمة، لحصول الشك فلا يصح لهم عمل.

الشرح: "لنا: لو لم يصحّ" التكليف بما علم الآمر انتفاء شرطه، وصيرورة (٢) المأمور مكلفًا "لم يعص أحد أبدًا؛ لأنه لم يحصل" للفعل "شرط وقوعه من إرادة قديمة" عند الأشاعرة؛ لأن الله - تعالى - لم يرده، ضرورة أنه لو أراده لوقع، "أو حادثة" للعبد عند المعتزلة؛ لأن العاصي لم يرده عندهم، وقد علم الله الإرَادَتَيْنِ، فيكون عالمًا بعدم الشرط، فلو لم يكن مأمورًا بالطاعة حال عدم الشرط لم يَعْصِ حال عدم الإرادة، وهي حال لا ينفك عنها عاصٍ فلا يوجد عَاصٍ.

"وأيضًا لو لم يصح لم يُعْلم التكليف" أصلًا، "لأنه "إذا أمر العبد بصوم هذا اليوم فإما أن يعلم بهذا الأمر بعد اليوم أو قبله أو معه، فإن علم به "بعده ومعه" لم يُفِدْ؛ لأنه "ينقطع" التكليف حينئذ على ما تقدم.

"وقبله لا يعلم"؛ لأن صومه موقوف على بقائه وهو غير معلوم له قبل اليوم، فيكون شاكًّا في شرط التَّكْليف الذي هو البقاء، فيلزم الشك في المشروط فلا يعلم التكليف بالصوم أصلًا ..

"فإن فرضه" - أي: فرض الخصم زمان التكليف - "متسعًا" بحيث إذا مضى أحد جزئيه علم


(١) في ب: المسعر.
(٢) في ب: وضرورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>