للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَع - فَوَاضِحٌ، وَمَا سِوَاهُمَا إِنْ وَضَحَ أَنَّهُ بيَانٌ بِقَوْلٍ، أَوْ قَرِينَةِ مِثْلُ: "صَلُّوا"

"والوِصَال (١) والزِّيَادة على


(١) الوصال هو: استدامة أوصاف الصائمين يومين فأكثر عمدًا من غير عذر، ولا يتناول في الليل شيئًا، لا مأكولًا، ولا مشروبًا، فإن أكل شيئًا يسيرًا أو شرب، فليس وصالًا، وقد أجمع العلماء على كراهته بلا خلاف. وإنما الخلاف في أنه هل كراهته كراهة تحريم أم تنزيه؟ وجهان:
المشهور منهما: أنها للتحريم؛ لما روى عن أبي هريرة عن النبيّ أنه قال: "إيَّاكم والوِصَالَ"، قالوا: فإنَّك تُوَاصِلُ يا رسول الله. قال: "إنَّكم لستم في ذلك مثلي، فإنِّي أبيتُ يُطعمني ربِّي ويسقيني فاكلفوا من الأعمال ما تطيقونَ" وعنه في رواية أخرى أنه قال: (نهى النبيّ - عن الوصال في الصوم، فقال رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله. قال عليه السىلام: "وَأيُّكمْ مثلي إنِّي أبيْتُ يطعمني ربِّي ويسقيني". فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم، يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال، فقال : "لو تأخَّر لَزِدْتُكُمْ" كَالتنْكِيل لهم حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا"، فهذان الحديثان، وما ماثلهما مما ورد في هذا الباب يدلان دلالة صريحة على أن الوصال منهى عنه، وهو من الخصائص التي أبيحت لرسول الله وامتنعت على أمته.
والثاني: أن الوصال منهى عنه، ومكروه كراهة تنزيه؛ لأنه إنما نهى عنه حتى لا يضعف عن الصوم، وذلك أمر غير محقق، فلم يتعلق به إثم. وقد اتفق الكل من الشافعية على أن الوصال لا يبطل الصوم؛ لأن النهي لا يرجع إلى الصوم، فلا يوجب بطلانه.
قال إمام الحرمين: إنه قربة في حق الرسول، وقد نبه على الفرق بيننا وبينه في ذلك، حيث قال: "إِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي إِنِّي أَبِيْتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي". واختلف أصحابنا في تأويل هذا الحديث على وجهين:
أحدهما - وهو الأصح - أن معناه أنه أعطى قوة الطاعم والشارب، وليس المراد الأكل حقيقة؛ إذ لو أكل حقيقة لم يبق وصالًا، ولقال: ما أنا مواصل، ويؤيد هذا التأويل مما روى عن النبيّ أنه قال: "إنِّي أظلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِيني" ولا يقال: ظل إلّا في النهار، فدل على أنه لم يأكل.
الثاني: أنه كان يؤتى له بطعام وشراب من الجنة كرامةً له، لا تشاركه فيها الأمة.
وذكر صاحب العدة والبيان تأويلًا ثالثًا، وهو معناه: أن محبة الله تشغلني عن الطعام والشراب والحب البالغ يشغل عنهما. والحكمة في النهي عن الوصال ظاهرة واضحة؛ لا خفاء فيها؛ لأن الشارع الحكيم أمرنا بالمحافظة التامة على صحتنا، وعدم تعريضها للهلاك، فقال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ ولا شك أن الجسم الَّذي يحرم، ويمنع من الطعام والشراب يومين فأكثر تضعف قوته، وتعتل صحته؛ لقلة المواد الغذائية، ولا يخفى ما يترتب على ضعف الجسم من عدم القيام بسائر الواجبات المتنوعة الدينية =

<<  <  ج: ص:  >  >>