للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُجُودُهَا وَلا دِلالتهَا عَلَى ثُبُوتِ كَوْنِهِ حُجَّةً فَلا دَوْرَ. وَمِنْهَا أَجْمَعُوا عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَاطِعِ، فَدَلَّ [عَلَى] أَنَّهُ قَاطِعٌ وَإلَّا تَعَارَضَ الإِجْمَاعَانِ؛ لأِنَّ الْقَاطِعَ مُقَدَّمٌ.

فَإنْ قِيلَ: يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَجُّ عَلَيْهِ عَدَدَ التَّوَاتُرِ؛ لِتَضَمُّن الدَّلِيلَيْنِ ذلِكَ.

ولقائل أن يقول: إجماعُهم على تقديمه على القاطع ممنوع؛ وذلك لأنه فرع تُصُوِّرَ معارضته للقاطع، والقاطعان لا يَتَعَارضان.

وكان مراده بالقَاطِعِ الذي أجمعوا على تقديم الإجماع عليه ما كان قاطعًا في أصله دون دلالته، أو دوامه، أو غير ذلك، وإلا فهو لا ينكر أن القاطعيْن لا [يتعارضان] (١).

وإذا كان هذا مراده فلقائلٍ أن يقول: قولك: أجمعوا على تقديمه على القاطع بهذا المعنى مسلم، ولكن لا يفيد كونه قاطعًا، بل يحتمل أن يكون الظَّن المستفاد منه أقوى من الظَّن المستفاد من القَاطِعِ في صورة الإجماع، فيكون ذلك ترجيحًا لأقوى الظَّنَّين مثاله: إذا رأينا نصًّا قاطعًا دالًّا على أن زيدًا يجب عليه كذا، ثم رأينا أن الأمة مجمعة على أنه غير واجب عليه، فالأوَّلُ قاطع في أصل الوجوب عليه دون دوامه (٢) فيعمل بالإجماع؛ لأنه يدلّ على النسخ، أو زوال الحكم بزوال علَّة كان معللًا بها، أو نحو ذلك، لا لأنه عارَض قاطعًا، فإن لم يعارضه في مَحَلّ قطعه، بل ذلك لا يمكن كما عرفت.

ونظيره العامُّ والخاصُّ إذا كان العامُّ قرآنًا، والخاصُّ خبر واحد، فإن العامل مقطوع المتن مظنون الدلالة، والخاص بالعكس، فتعادلا ولم يتعارضا في موضع قطع، فكذلك ما نحن فيه لم يترجح إلا أقوى الظَّنين وقت التعارض بينهما، وإن كان أصل أحدهما قطعيًا، فافهم ذلك.

الشرح: "فإن قيل": على الدليلين المذكورين، "يلزم أن يكون" الإجماع "المحتج عليه" - أي: الذي أقيم الدليلان على كونه حُجَّةً - قد تضمن "عدد التواتر" من المجمعين (٣) ليستحيل عليهم التواطؤ على الكذب؛ "لتضمن الدليلين ذلك".

أما الأول: فلأن العادة إنما تحيل اجتماع العدد الكثير إذا بلغوا عدد التواتر.


(١) في ح: يعارضان.
(٢) في ت، ح: دولته.
(٣) في ت: المجتمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>