للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة النساء: الآية ١١٥] وَلَيْسَ بِقَاطِعٍ؛ لاِحْتِمَالٍ فِي مُتَابَعَتِهِ، أَوْ مُنَاصَرَتِهِ، أَوِ الاِقْتِدَاءِ بِهِ، أَوْ

في غاية الوضوح، ولم يسبق إليه، وحكي أنه تلا القُرْآن ثلاث مرات حتى استخرجه .. روى ذلك البيهقي في "المدخل" وساق فيه حكايةً طويلةً غريبةً بسنده، ولم يدع - أعني: الشافعي - القطع فيه فاعرف ذلك، وهو قوله - تعالى -: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [سورة النساء: الآية ١١٥].

ووافقه على الاحتجاج بهذه الآية القاضي مع كونه من مُنْكري الصيغ، وقال: إني إنما أنكر اقتضاء الصيغ للوجوب عند تجرُّدها.

أما إذا احتفت بها القرائن فأقول بها، ومن أوضحها الوعيد والتهديد الشديد، والآية مُنْطوية على ذلك.

وتقريره: أنه - تعالى - جمع بين مُشَاقّة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد في قوله: ﴿نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ﴾، فيلزم تحريم اتباع غير سبيل المؤمنين؛ لأنه لو لم يكن محرمًا لما جمع بينه وبين المحرم الذي هو مُشَاقَّة الرسول ؛ إذ الجمع بين حَرَامٍ ونقيضه لا يحسن في وعيد؛ ولأجله يستقبح إن زنيت، وشربت الماء عاقبتك، فدلَّ على حرمة اتباع (١) غير سبيلهم، وإذا وجب اتباع سبيلهم انتهض كون الإجماع حجة؛ لأن سبيل الشَّخص ما يختار من قول أو فعل أو اعتقاد (٢).


(١) في أ، ت، ح: امتناع.
(٢) واعترض على هذا الدليل بوجوه: الأول: لا نسلم أن "من" للعموم حتى يتناول كل من اتبع غير سبيل المؤمنين؛ فإنه يجوز أنه يراد بها بعض المكلفين؛ وحينئذ لا يكون الإجماع حجة يجب العمل به على كل مكلف، بل يكون شأنه شأن اجتهاد الواحد الذي يجب العمل به عليه وعلى من قلده فقط. وسند هذا المنع أنه قد خالف جمع في أن العموم له صيغة تخصه فقال بعضهم: إن الصيغ المفيدة للعموم حقيقة في الخصوص مجاز في العموم. وقال بعضهم: حقيقة فيهما، وقال بعضهم: لا يدري أهي حقيقة في العموم أم مجاز، وقال بعضهم: هي حقيقة في العموم لكن ورودها على السبب الخاص قرينة على إرادة الخصوص بها؛ فبناء على المذاهب الثلاثة الأولى محقق دلالتها على البعض، وتحتاج في تحقق عمومها إلى القرينة، وبناء على المذهب الأخير مراد بها من نزلت فيه، وهو طعمة بن أبيرق حين سرق وزنى وارتد ولحق بالمشركين. والجواب: أنها موضوعة للعموم، وورودها على السبب الخاص لا يصرفها إلى الخصوص كما هو مذكور في مباحث العموم. وعلى فرض أنها ليست موضوعة للعموم فههنا قرينة عليه، وهي تعليق الجزاء على شرطين: أولهما:=

<<  <  ج: ص:  >  >>