(٢) والجواب على هذا من وجهين: الأول: أن كل واحد من هذه الأخبار وإن كان خبر واحد يجوز تطرق الكذب إليه، إلا أن القدر المشترك وهو عصمه الأمة عن الخطإ متواتر، فيفيد العلم الضروري لكل عاقل بأن رسول الله ﷺ قصد تعظيم هذه الأمة وعصمتها عن الخطإ، كما علم ضرورة سخاوة حاتم، وشجاعة علي، وفقه الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل، وخطابة الحجاج، وميل رسول الله ﷺ إلى عائشة دون باقي نسائه من الأخبار المشتركة في أمر متواتر وإن كان كل خبر آحادًا، واعترض الإمام الرازي على هذا الجواب بأنا لا نسلم بلوغ مجموع هذه الآحاد حد التواتر المعنوي؛ فإن الرواة العشرين أو الألف لا تبلغ حد التواتر، ولا تكفي للتواتر المعنوي؛ فإنه ليس بمستبعد في العرف إقدام عشرين على الكذب في واقعة معينة بعبارات مختلفة، ولو سلم فتواتره بالمعنى غير مسلم، فإن القدر المشترك هو أن الإجماع حجة أو ما يلزم هو منه، فإن ادعيتم أن القدر المشترك هو حجية الإجماع فقد ادعيتم أن حجية الإجماع متواترة عن رسول الله ﷺ، ويلزم أن يكون كغزوة بدر، وهو باطل فإنه؛ لو كان كذلك لم يقع الخلاف فيه، وأنكم بعد تصحيح المتن توردون على دلالته على حجية الإجماع الأسئلة والأجوبة، ولو كان متواترًا لأفاد العلم ولغت نلك الأسئلة والأجوبة، وإن ادعيتم أن هذه الأخبار تدل على عصمة الأمة فهي بعينها حجية الإجماع. وأجاب عنه شارح المسلم بأن القدر المشترك من هذه الأخبار قطعًا هو عصمة الأمة عن الخطإ، ولا شك فيه، ودعوى أنها بعينها حجية الإجماع غير صحيحة، بل هي ملزومة للحجية. وبأن اجتماع عشرين من العدول الخيار بل أزيد على الكذب على رسول الله ﷺ مما لا يتوهم. وأما قوله: لو كان لكان كغزوة بدر، قلنا: إنه كغزوة بدر كيف وقد سبق أنه قد تواتر من لدن رسول الله ﷺ إلى هذا الآن تخطئة المخالف للإجماع، وهل هذا إلا تواتر الحجية؟ وأيضًا يجوز أن تكون المتواترات مختلفة بحسب قوم دون قوم، فهذا متواتر عند من طالع كثرة الوقائع والأخبار. وأما قوله: لو كان متواترًا لما وقع الخلاف فيه، قلنا: التواتر لا يوجب أن يكون الكل عالمين به؛ ألا ترى أن أكثر العوام لا يعلمون غزوة بدر أصلًا، بل المتواتر إنما يكون متواترًا عند من وصل إليه أخبار تلك الجماعة، وذلك بمطالعة الوقائع=