للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُجِيبَ بِمَنْعِهِ فِي القِيَاسِ الْجَلِيِّ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ.

رأينا التابعين قاطعين بالمنع من مخالقة الإجماع أعلمنا اطلاعهم على دلالة قاطعةٍ مانعةٍ من مخالفة الإجماع، (١)؛ إذ لو كان المانع منه أيضًا الأمارة لما قطعوا بالمنع منه.

لا يُقَال: ما ذكرتموه إخراجٌ للإجماع عن كونه حُجَّة، فإنه لا مَطْمَعَ في كون قول النَّاس حجة لعينه، وإنما المطلوب المكتفى به إسناده إلى حُجَّة، وهو حاصل.

هذا دليل إمام الحرمين، وهو الذي ذكره المصنّف آخرًا.

وقد اعترضه الإمام بأنا لا نسلّم انحصار التَّقسيم؛ فإنه يجوز أن يكون اتفاقهم على الحكم لشُبْهَةٍ، فكم من المبطلين مع كثرتهم قد اتفقوا على حكم واحد لشُبْهة اعترضت لهم.

سلّمنا الحصر، لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك لأمارة؟

ولا نسلّم إجماع الصحابة والتَّابعين على المَنْعِ، سلمنا ذلك، لكن لما جوزت حصول الإجماع على الحكم لأمارة، فلم لا يجوز حصول الإجماع على المَنْع من مخالفة الإجماع لأمارة أيضًا؟.

فإن قلت: لو كان عن أمارة لما تعصَّبوا.

قلت: إذا سلمت أنه إذا كان عن أمارة لا يتعصَّبون له، فقد بطل قولك: إنهم منعوا من مخالفة هذا الإجماع.

هذا اعتراضُ الإمام، وزاد الشيخ الهِنْدِيّ اعتراضين آخرين، فقال: هذه الدلالة لو صحت لاقتضت أن يكون إجماع الخَلْق العظيم من كل أمة حجَّة، وألَّا يكون الإجماع حُجَّة إلا إذا كان المجمعون عدد التَّوَاتر.

فهذه جملة الاعتراضات على إمام الحرمين.

وأنا أقول: أما الأول: وهو منع الحَصْر بالاتِّفَاق على الشُّبهة - وهو أقواها - فقد يقال فيه: إن كل اتفاق وقع عن شُبْهَةٍ فهناك قاطع يُصَادمه، وإنما تسكن النفس للإجماع إذا لم يكن ثَمَّ قاطع معارض، فحيث وجدنا إجماعًا ولا قَاطِعَ يصادمه، وهو الذي إما أن يكون لدليل، أو أمارة فاتَّجَه الحصرُ في القِسْمَيْنِ، وخرج إجماع المبطلين، فإنه أبدًا مستصحب لقاطع مصادم.


(١) سقط في ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>