للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأما الثَّاني: فساقطٌ؛ لأن من استقرأ أحوال الصَّحابة والتَّابعين كاد علمه باتِّفاقهم على المَنْعِ من مخالفته يكون ضروريًّا.

وأما الثالث: فجوابه أنَّ المعلوم من عادتهم أنهم ما كانوا يَقْطَعُونَ بالمَنْعِ من مخالفة الحكم الصَّادر عن الأمارة إذا لم يعضدهم إجماع.

ورأيناهم قاطعين بالمَنْعِ من مخالفة الإجماع سواء أصدر (١) عن أمارة أو لا، وينسبون مخالفه إلى المُرُوقِ والمُحَادَّة والعُقُوق، ولا يعدون ذلك أمرًا هينًا، بل يرون الاستجراء عليه ضلالًا بيّنًا، فلو لم يَقُمِ القاطع على المَنْعِ من مخالفة الإجماع في الصُّورتين لما قطعوا في صورة الأمارة؛ لأنهم لم يكونوا يقطعون بالمَنْعِ من مخالفة الأمارة لمجردها.

قال إمامُ الحرمين (٢): ولا يبعد أن يكون القاطع بعض الأخبار التي ذكرناها (٣)، وتلقَّاها مَنْ تلقاها من رسول الله ، وعلم بقرائن الأحوال قصد النبي في انْتِصَاب الإجماع حُجَّة، ثم علموا بذلك، واستجروا على القَطْع بموجبه ولم يتَّهموا بنقل سبب قطعهم.

وأما الرابع والخامس: فساقطان؛ لأن إمام الحَرَمَيْنِ لم يلتزمهما، وصرَّحَ بذلك من بعد.

وقد بان بهذا حسن طريقة إمام الحرمين في الاستدلال على الإجماع، والذي وضح لي أن أقوى دليل عليه الآية التي أبداها الشَّافعي والسُّنة، وهو حديث: "لا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي"، فالمعنى بالطريقة التي ذكرها، لا بما ذكره المصنّف فهو أضعف الطرق.

فإن قلت: هل يقولون بإفادة كل واحد من هذه الأدلَّة القطع؟

قلت: أما الآية، فالإنصاف أنها لا تفيد القَطْع، ولكن ظنًّا راجحًا.

وأما الحديثُ فلا شَكَّ أنه اليوم غير متواتر، بل ولا صحيح، أعني: لم يصح منه طريق على السبيل الذي يرتصُيه جَهَابِذَةُ الحُفَّاظ، ولكني أعتقد صحة القَدرِ المشترك في كل طرقه، والأغلب على الظن أنه عدم اجتماعها على الخطأ، وأقول مع ذلك: جاز أن يكون متواترًا في سالف الأزمان ثم انقلب آحادًا، فالمتواتر لمَّا اندرس بالكليَّة فَضلًا عن انقلابه آحادًا، ويغلب على ظنِّي أن ذلك هو الواقع، فمن نظر كتب الأقدمين وجدها مَشْحُونَةً بِدَعْوَى انتشار الحديث المذكور بين سلف الأمة، وإنكارهم به على مُخَالفي الإجماع كما عرفت.


(١) في ب: صدر.
(٢) ينظر: البرهان ١/ ٦٨٢.
(٣) في ح: ذكرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>