للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ويعضد هذا أن من أنكر الإجماع لم يطعن في صحة الحديث، بل عدل إلى تأويله.

وأمور أخر كثيرة تضمّنتها المبسوطاتُ فالنَّاس فيه بين مُعْتمد عليه، ومؤول له، فلولا صحَّته عند الجميع لما افترقوا كذلك.

ولو توهّم النَّظَّام ومُتَابعوه في سَنَدِهِ مقالًا لَمَا عَدَلَوا به.

والظَّنُّ أنهم بحثوا عن ذلك أشد البحث، كيف وهو مما يقْصِمُ ظهورهم.

وأما المعنى فإنه لَعَمْرُ الله شديدٌ بالغ ولكنه مختصّ بما إذا بلغ المجمعون عددًا يمتنع تواطؤهم على الكذب.

وحيث انتهى في الكلام إلى هذا أقول: الإجماع عندي صورتان:

إحداهما: أن يقع من جمع يمتنع منهم التَّوَاطؤ على الكذب، وهذا قاطع، والدليل عليه قاطع.

والثانية: ألَّا يبلغوا ذلك، فهذا حُجَّة عدنا، ولكنها ظَنِّيةٌ، ولا ينتهض دليله إلى القطع.

وبلوغ المجتهدين عددًا يمتنع تواطؤهم على الكَذِبِ يختلف اختلافًا شديدًا، فرب جمع قليل، ولكن قرينة افتراقهم في أقاصي الأرض تحيل عادة اجتماعهم، فينتفي محذور احتمال الكذب، فتأمل ذلك.

وأقول مع ذلك: لو اتفق إجماع (١) علماء العصر الذين لم يبلغوا عدد التواتر، بأن كانوا قليلين جدًّا على مسألة، ثم انقرضوا، ومضت عُصُرٌ كثيرة على هذا اجتمع فيها على القول بالمسألة من يمتنع تَوَاطؤهم على الكَذِبِ، فهذا حُجَّة قطعية، وهو داخل في الصورة الأولى، ولعلَّك تجد ذلك في مسائل كثيرة من الفروع اجتمع عليها أهل عَصْر بكماله، وهم يبلغون عدد التواتر، ثم جاء بعدهم مثلهم، وبحثوا أشَدّ البحث، وقالوا بمقالة الأولين فلا شَكّ أن النفس يزيد انشراحها بتوافق العَصْرَين على ما هو في مضطرب الظُّنون، وتوافراتها لو لم تستند (٢) إلى ما يوجب ذلك لما توافقت.

وكلما ازداد عصر عصرًا ازداد اليقين يقينًا، فيكون إجماع الأولين حُجَّة ظَنِّية، وينقلب بموافقة الآخرين قطعية.

والظني قد ينقلب قطعيًّا بانضمام ما يوجبه.


(١) في ح: اجتماع.
(٢) في أ، ت، ح: تسند.

<<  <  ج: ص:  >  >>