وهذه هي المسألة المَعْرُوفة بأنَّ العاميَّ هل يعتبر؟
وحكى فيها القاضي عبد الوَهَّاب مذهبًا ثالثًا: أنه يعتبر في الإجماع العام، وهو ما ليس بمقصورٍ (١) على العُلَمَاء وأهل النظر، كالعلم بوجوب التَّحريم بالطَّلاق، وأن الحَدَث ينقض الطهارة، وأن الحَيْضَ يمنع أداء الصلاة ووجوبها، دون الخاص، كدقائق الفِقهِ.
ولي أنا في المسألة تحقيق طويل ذكرته في "التعليقة"، حاصله: أنني أدعي أن الخلاف في أن العوامَّ هل يعتبرون؛ ليس معناه إلا أنَّا هل نطلق القول بأن الأمة أجمعت، وأنه لا خلاف في المشهور.
إنما نطلقُ هذا القولَ فنقول: مثلًا أجمعت الأمَّة على وجوب الصَّلاة وإنما الخلاف فيما قد يشذّ عن العَوَامّ ففيه مذهبان:
أحدهما: أنهم مُدْخلون في حكم الإجماع؛ فإنهم وإن لم يعرفوا تفصيل الأحكام فقد عرفوا في الجملة أن ما أجمع عليه علماء الأمة حق، وهذا منهم مساهمة في الإجماع.
الثاني: أنهم لا يكونون مُسَاهمين في الإجماع؛ لأنهم غير عالمين فكيف ينسب إليهم القول، وقد بنى الأستاذ أبو إسحاق على هذا الخلافِ الاختلافَ في تكفير من أنكر مجمعًا عليه غير معلوم بالضرورة، حكاه عنه أبي - رحمه الله تعالى - في "شرح المنهاج".
وأقول: إن ما أقوله هو قضيَّة كلام القاضي أبي بكر، بل صريحه، وقد حكيت كلامه في "التعليقة"، وذكرت أنه صريح في غير موضع بأن خلاف العوام لا يعتبر به.
ونقلنا الإجماع على ذلك، وإنما حُكي الخلاف على الوجه الذي قلته.
وجميع ما قلناه في العامي الصِرف.
أما من سند أشياء من العلوم ولم يترقَّ عن مراتب التَّقليد، فالصحيحُ: أنه لا يعتبر أيضًا.
"وقيل: يعتبر الأصوليُّ" المَاهرُ المتصرّفُ في الفِقْهِ، وإن كان من أهل التَّقليد في الفقه، وهذا هو رأي القاضي.