للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

"لنا: الأدلة السَّمعية" لا تختصّ بالصَّحابة.

فإن قلت: كيف استدلّ المصنّف بالسمع هنا؟

وهو إنما يستند في الإجماع إلى المعنى.

قلت: إستناده (١) إلى المعنى من أجل كون الإجماع حُجَّة؛ لأن ذلك أصل قاطع، فيتطلب له دليلًا قاطعًا، وإلى السّمع في أنه هل يختص بالصَّحابة؟، وهي مسألةٌ ظنِّية يكفي فيها دليل ظني.


= بالحاضرين وقت الخطاب، وإلا لما شملت الصحابي الآتي بعده، وهو باطل اتفاقًا. وأما الأدلة
العقلية فقيل: لا تنتهض حجة على الظاهرية لأنهم لا يسلمون الإجماع على القطع بتخطئة المخالف
مطلقًا، بل في إجماع الصحابة. قال صاحب المسلم: الحق الاتفاق على التخطئة مطلقًا؛ لكن لا
ينتهض ههنا لأن الخصم ينكر إمكان وقوعه، وهو لا ينافي التخطئة على تقدير وقوعه (أي أن
الخصم ينكر إمكان وقوع إجماع غير الصحابة، وإنكار وقوعه لا ينافي القول بتخطئة المخالف على تقدير وقوعه) فافهم؛ فإنه دقيق - وقال في حاشيته: اعلم أن الدقة هو الفرق بين انتهاض السمعية وعدم انتهاض العقلية مع أن الظاهر أنهما سواء، ووجه الفرق أن مقتضى السمعية أن الحجية لازمة لوقوع الاتفاق مطلقًا، ومقتضى العقلية ليس كذلك، بل مقتضاها أنه إذا وجد الاتفاق، وصار حجة صح تخطئة مخالفه، فلو وقع الاتفاق ولا عبرة به كما قال الخصم لا ينافي ذلك، نعم ينافي السمعية؛ لأنه اجتماع على ما ليس بحق ا. هـ. وفي هذا الفرق نظر؛ فإن صحة التخطئة غير متوقفة من حيث العلم بها على وجود الإجماع واعتباره وإن توقفت في الخارج، فإذا ما علمنا صحة تخطئة المخالف للإجماع في كل عصر علمنا أن حجيته مركوزة في أذهانهم، ولا يكون ذلك إلا عن نص قاطع دال على حجيته في كل عصر، ومن لوازم ذلك كونه حقًّا، فعدم اعتبار الخصم إياه فناف لهذا كما هو مناف للسمعي، فقد نهض العقلي كما نهض السمعي على إثبات حجية إجماع من بعد الصحابة، ولو سلمنا جدلًا أن عدم اعتبار إجماع التابعين فمن بعدهم لا يتنافى مع الدليل العقلي لزم ألا ينهض الدليل العقلي على النظَّام وتابعيه في إثبات حجية إجماع الصحابة؛ إذ لهم أن يقولوا: صحة تخطئة المخالف لإجماع الصحابة إنما هي على تقدير وجوده واعتباره، فعدم اعتبارنا إياه لا يتنافى مع هذا الدليل، فالحق أنه على تسليم الظاهرية الإجماع على تخطئة المخالف مطلقًا لا يبقى فرق بين الأدلة السمعية والعقلية، ولم يبق لهم إلا أن ينكروا تحقق اتفاق التابعين فمن بعدهم. والجواب حينئذ بإثبات وقوع اتفاق التابعين في واقعة، ولم يثبت إنكار الخصم إلا عند استقرار الخلاف وتقرر المذاهب لا عند سكوت الصحابة؛ لعدم وقوع هذه الحادثة في زمنهم، ومحل الخلاف ههنا هو هذا لا ذاك؛ فإنه مسألة أخرى؛ والله أعلم.
(١) في ب: إسناده.

<<  <  ج: ص:  >  >>