بل أقول: إنه يفضي (١) إلى القطع، ويختلف ذلك باختلاف طول الزمان وقصره، وقد صرَّح ابنُ التِّلْمَساني في "شرح المعالم" بذلك، وأنه ليس من محل الخلاف، وذلك هو مقتضى كلام إمام الحرمين، فإنه جعل صورة المسألة ما لم يطل الزمان مع تكرار الواقعة.
وأما إذا تكرر مع طول الزمان فلا أنكر جريان خلاف، وقد اقتضاه كلام القاضي أبي بكر، ولكنه ليس الخلاف في السُّكُوتي، بل أضعف منه.
وسادسها: أن يكون في محلّ الاجتهاد، فلو أفتى واحد بخلاف الثَّابت قطعًا فليس سكوتهم دليلًا على شيء؛ ولعلَّهم إنما سَكَتُوا للعلم بأنه على منكر، وأن الإنكار لا يفيد.
فإن قلت: إنكار المنكر واجب، وإن علِم المنكر أنه لا يفيد.
قلت: ليس بواجب على الكُلّ، بل هو فرض كِفَايَةٍ، ثم في غير الشَّافعية من لا يوجبه والحالة هذه.
وسابعها: أن يكون قبل اسْتِقْرَارِ المذاهب، ليخرج إفتاء مقلّد سكت عنه المخالفون؛ للعلم بمذهبهم ومَذْهبه، كشافعي يُفْتِي بنقض الوضوء بِمَسِّ الذَّكَرِ، فلا يدلّ سكوت الحنفي عنه على موافقته؛ للعلم باستقرار المَذَاهب والخلاف.
وقد أهمل المصنّف بعض هذه القيود كما رأيت.
الأمر الرابع: سبب ما وقع من الاضطراب في النَّقْل عن الشافعي ﵁ في هذه المسألة - أن بعضهم رأى منقولًا عنه أنه ليس بإجماع، وفي ذهنه أن الإجماع أعم من القطعي والظني، والنكرة في سياق النَّفي تعمّ، وإذا انتفى الأمران فإذا يكون حجة؟ فنسب إليه أنه نيس بإجماع ولا حُجَّة، وبعضهم رأى منقولًا عنه: أنه حجة في ذكره - أنه إذا كان حُجَّة لزم أن يكون إجماعًا - وأن كل إجماع فهو قطعي؛ فاضطربت النُّقول.
والصَّوابُ في النقل ما حررناه، وحاصله: أن أحدًا من أصحابنا لم يقل بأنا نقطع بأنه إجماع قطعي، ولا يتَّجه القول بذلك من ذي لُبّ، وإنما يفهم اختلاف في أنّ ظن الإجماع هل حصل؟ والأصح عندهم؛ حصوله، خلافًا للإمام الرَّازي وأتباعه، ثم بعد حصوله هل ينتهض حجة؟ الأصحُّ: انتهاضه خلافًا لإمام الحرمين، وكلامه محتمل؛ لمنع انْتِهَاضِ الظّن أيضًا.