للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لكن الأظهر أنه لا يمتنع ذلك، وقد قال في أثناء المسألة: لا قطعَ مع الاحتمال، وذلك [لو صح] (١) أنه يتطلب القطع في المسألة، والإجماع الذي نفاه، وعزى نفيه إلى ظاهر مذهب الشَّافعي هو القَطْعي دون الظَّني، وذلك ظاهر من كلامه، وكلام القاضي قبله والغَزَالي بعده، ويخطر لي أن للشافعية أوجهًا:

أحدها: أنا لا نظن بالسُّكوت انتهاض الإجماع؛ لأن له مَحَامِلَ كثيرةً.

والثاني: أنا نظنّه، ونقطع إذ ذاك بكونه حُجَّة، وهو رأي الأستاذ.

والثالث: هذا، ولكن بشرط انقراض العَصْرِ، وهو رأي البَنْدَنِيجي.

والرَّابع: أنا نظنّه، ونظن أنه حُجَّة من غير قاطع، وهو اختيار الآمدي.

وإذا ضممنا هذه الأوجه إلى الوجهين في تَسْميته بالإجماع صارت الوجوه خمسة، والحنفية مصرحون: بأن الإجماع السُّكوتي قاطع، فإذا أرادوا أنا نقطع أن الأمة أجمعت (٢)، فهم مُكَابرون، كيف ولا قَطْعَ مع الاحتمال، وإن كان مرجوحًا إلى غاية - وما أظنهم يقولون هذا - وإن أرادوا حصول ظَنّ غالب مستلزم القَطْع بأنه حُجَّة، فذلك هو أحد آرائنا، وهو أظهرها عندنا.

الأمر الخامس: في العبارة المَشْهورة عن الشَّافعي، وهي قوله: لا ينسب إلى ساكت قول (٣).

قال إمام الحرمين: إنها من عبارات الشَّافعي الشريفة.

قلت: وقد فهم الحُذَّاق منها أن السُّكوتي ليس بإجماع، منهم القاضي، وإمام الحرمين، وغيرهما.

وأنا أقول: إنها لا تقتضي ذلك، فإنها لم تفصح إلا بأن السَّاكت لا ينسب إليه قول ولا يلزم من أنا لا ننسب إليه قولًا، أنا لا ننسب إليه موافقة، فالمُوَافقة أمر باطن والقول ظاهر، والفرض أنه ساكت، فلو نسبنا القول إليه لكنا كاذبين؛ إذ لا دليلٌ عليه بخلاف المُوَافقة، فإن السكوت دليلها، ألا ترى أن إذن البِكْرِ صمَاتُها فنقول: إذنها صماتُهَا كما قال المُصْطفى تسليمًا.

ولا نقول: قالت البكر: أذِنْتُ؛ لأنها لم تقل ذلك، فلذلك (٤) قال أصحابنا: لو سكت الوَلِيّ وقد طلب منه التزويج بين يدي الحاكم كان عَضْلًا، ولم يقولوا: كان لافظًا بالامتناع.


(١) في ب: يوضح.
(٢) في ح: اتجمعت.
(٣) ينظر المنخول ص ٣١٨
(٤) في أ، ت: وكذلك، وفي ب، ولذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>