للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وإذا شرطنا رضا المَضْمون له، فلا نشترط نُطْقَهُ على خلاف فيه.

ومسائل الاعتبار بالسُّكوت كثيرة، وفيها من الأصول مسألة التقرير، ومسألة إخبار (١) واحد بِحَضْرَةِ جمعٍ لم يكذبوه.

سلّمنا أن مراده بالقول: الفُتْيَا، واعتقاد ما قاله الناطق، إلا أن نهاية ما ذكره أنه لا ينسب إليه قول بخصوصه، وهو كذلك؛ لأنا لا نقول: قال الساكتون، وإنَّما نقول (٢): قالت الأمَّة، فلم قلتم: إن الشافعي يمنعه؟

سلمنا أن مراده: أن الساكت لا ينسب إليه قول أصلًا، لا بمفرده ولا مع انضمامه إلى غيره، ولكن لِمَ قلتم: إن الإجماع لا ينتهض وإن لم نُسَمّ ذلك إجماعًا؛ فالنطق بالشيء غيره، فقد يكون الإجماع (٣) موجودًا، ولكنا لا نطلق القول بأن الأمة أجمعت.

وسر ذلك أن الأصل امتناع نِسْبَةِ قولٍ إلى مَنْ لا يتحقق أنه قال: ولكنا خالفناه في السَّاكتين وظننا (٤) موافقتهم، وعملنا (٥) بِمُقْتَضَاها؛ للاحتياج إلى ذلك في المسائل التكليفية فأيُّ حاجة بنا إلى تسميته بالإجماع؟

وهذا هو أحد الوجهين السَّابقين عن حكاية الأستاذ والبَنْدَنِيجي، وهو ظاهر نقل الشَّيخ أبي إسحاق عن أبي بَكْرٍ الصَّيرفي الذي كان يقال: إنه أعلم الناس بالأصول [بعد الشَّافعي، وكان أيضًا أكثر الشَّافعية إلمامًا بكلام الشَّافعي في الأصول] (٦).

الأمر السَّادس: إذا تقرر أن السُّكوتي حُجَّةٌ، فلا يخفى عليك إذا تأملت ما سطّرناه أنه مراتب:

أحدها: أن يعلم أنه بلغ الجميع، وافترقوا ما بين مُفْتٍ وعامل، وهو كالقولي فيما نقله القاضي عبد الوَهَّاب.


(١) في ب: إخطار.
(٢) في أ: يقول.
(٣) في حاشية ج: قوله: "فقد يكون الإجماع موجودًا .. إلخ" الظاهر أنه مراد الشافعي في مثل ما نحن فيه أنه لا ينسب إليه قول على التحقيق حتَّى يكون إجماعًا قطعيًا، وهو لا ينافي أنه ينسب إليه ظنًا، فيكون إجماعًا ظنيًا، تأمل.
(٤) في أ، ت، ح: قطننا.
(٥) في أ، ح: علمنا.
(٦) سقط في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>