للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ثم إن الخصم لا يسلم قيام الإجماع على تحريم متعة النِّكَاح، فقد قال أبو محمد بن حزم:


= أما الآية فيقال لهم فيها: إنها بمعزل عن الدلالة لكم؛ إذ هي محمولة على النكاح الدائم وما يجب للمرأة من المهر كاملًا إذا استمتع بها الزوج، ويؤيد هذا أنها وردت في سياق الكلام على النكاح بالعقد المعروف بعد الكلام على أجناس يحرم التزوج بها، وتسمية المهر أجرًا لا يدل على أنه أجر المتعة، فقد سمي المهر أجرًا في غبر هذا الموضع، كقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾ أي مهورهن، وكقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ أي مهورهن. وأما قراءة أبي وابن عباس فهي شاذة، والقراءة الشاذة لا تعارض القطعي، وهي الآية الدالة على التحريم، وهي قوله تعالى: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ مع أن الدليلين إن تساويا في القوة وتعارضا في الحل والحرمة قدم دليل الحرمة منهما، ويقال لهم فيما روي عن ابن عباس: إنه ثبت رجوعه عنه. وقد كان يقي بها أولًا لأنه فهم من نهي النبيّ عنها يوم خيبر ثم إباحتها يوم الفتح ثم نهى عنها بعد ذلك. أن الإباحة كانت للضرورة والنهي عند ارتفاعها، يؤيد ذلك ما روي عن شعبة عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء فرخص فيها فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة، فقال ابن عباس: نعم؛ فإنه يعلم من هذا أن ابن عباس كان يتأول في إباحة نكاح المتعة المضطر إليه ثم توقف بعد ذلك لما ثبت له النسخ.
ومما يؤيد رجوع ابن عباس ما أخرجه الترمذي أن ابن عباس قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شأنه حتى نزلت: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ فقال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام.
وقد روى رجوعه أيضًا البيهقي وأبو عوانة في صحيحه. وروي عنه أنه قال عند موته: اللهم إني أتوب إليك من قولي في المتعة والصرف. وعليه فلا يصح الاحتجاج بفتوى ابن عباس وقد رجع عنها. ويقال لهم في أثر جابر: إن قوله: "تمتعنا .. ، إلخ" يحمل على أن من تمتع لم يبلغه النسخ حتى نهى عنها عمر. أو يكون جابر قال ذلك لفعلهم في زمن رسول الله ثم لم يبلغه النسخ حتى نهى عنها عمر، فاعتقد أن الناس باقون على ذلك لعدم الناقل عنده. والقول بأن عمر هو الذي نهى عنها وأن ذلك من قبيل السياسة الشرعية غير مسلم؛ فإن عمر إنما قصد الإخبار عن تحريم النبيّ ونهيه عنها؛ إذ لا يجوز أن ينهي عما كان النبي أباحه وبقي على إباحته، ومما يؤيد أن نهيه عنها ليس من قبيل السياسة الشرعية بل إنه نهى عنها لما علم نهى النبيّ ما روي من طريق سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر قال: صعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم=

<<  <  ج: ص:  >  >>