الْأَشْعَرِيُّ: الْعَادَةُ تَقْضِي بِامْتِنَاعِهِ.
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْعَادَة وَبِالْوُقُوع.
قَالُوا: لَوْ وَقَعَ لَكَانَ حُجَّة فَيتَعَارَضُ الإجْمَاعَانِ؛ لأِنَّ اسْتِقْرَارَ اخْتِلافِهِمْ دَلِيلُ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَسْوِيغِ كُلٍّ مِنْهُمَا.
وقد صرَّح الحنفية (١): بأنه إجماع بأنه من أدنى مراتب الإجماع، ولذلك قال محمد بن الحسن فيمن قال لامرأته: أنت خَلِيَّة ونوى ثلاثًا، ثم جامعها في العِدَّة وقال: علمت أنها حرام، لا يُحَدُّ؛ لأن عمر ﵁ كان يراها واحدةً رجعيةً، وقد أجمعنا بخلافه. ونيَّة الثلاث صحيحة بلا خلاف أهو حجة، أو لا؟ فلا يصير موجبًا علمًا بلا شُبْهَة، هكذا قال أبو زيد الدّبوسي في "التقويم" من كتبهم.
وصورةُ المسألة عند الغَزَّالي - ما إذا لم يصرح المَانعون بتحريم القَوْل الآخر. وإن صرَّحوا بتحريمه فقد تردّد - أعني: الغَزَّالي - هل يمنع ذلك أو لا؟ ولا يجب اتباعهم فيه.
الشرح: إذا عرفت هذا فقول المصنّف: احتج "الأشْعَرِيّ" فقال: "العادةُ تقضي بامتناعه" إشارة إلى ما أبديناه.
ولا نعرف هذا من كلام الأشعري نفسه، وإنما هو من كلام إمام الحَرَمَيْنِ سيِّد الأشاعر.
وقوله في جوابه: "وأجيب بمنع العادة، وبالوقوع" ضعيف.
أما منع العادة، فيظهر ضعفه فيما تقدم عند الإنصاف، ولو أن كل من ادعى عادةً اتَّجه منعه منع المصنّف في دعواه العادة على أصل الإجماع، وأما الوقوع، وهو أشكل ما يورد علينا فإنَّا نمنعه، وكل صورة تورد فلا نسلّم طول الزمان فيها طولًا تقضي العادة بأنه لو كان أمر يوجب سقوط أحد القولين لظهر.
ثم ما ذكره في الكتاب من الصُّورتين لا يحتاج فيه إلى هذه الطريق بعد الإحاطة بما قدمناه فيهما، ومن وافق أصْحَابنا في الحكم فرقة.
و"قالوا: لو وقع" إجماع بعد خلاف مستقرّ "لكان حجَّة"؛ إذ كل إجماع حُجّة، "فيتعارض الإجماعان؛ لأن استقرار خلافهم دليل إجماعهم على تَسْويغِ كل منهما" - أي: من القولين - والإجماع الثَّاني يصادمه.
(١) ينظر: تيسير التحرير ٣/ ٢٣٢، والتقرير والتحبير ٣/ ٨٨.