للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكلامنا إنما هو في تكفير المجمع عليه.

والثالث: الفصل.

والحاصل: أن المنصوصات المشهورة لا كلام فيها إنَّما الكلام فيما لا يعرف له سند إلا الإجماع، فالقائل الثَّاني لا يكفر منكره، وإن اشتهر حتى صارت شُهرته كالعِبَادَات الخمس.

وإنما شبه بالعِبَادَاتِ الخمس في الشُّهرة لا في غيرها، وإلا فهي منصوصات.

وهذا في الحقيقة أحد الوجهين اللَّذين حكاهما النَّوَوِيُّ كما تقدم، ويعرف من هذا أن الصَّلوات (١) الخمس لا تدخل فيما نحن فيه، وإنما يدخل نحوها، فلو اشتهر شيء شهرتها، ولا سَنَدَ له تعرفه الأمة غير الإجماع لقال هذا القائل: بأن منكره لا يكفر، وهو واضح؛ لأن منكر أصل الإجماع على أصولنا في المُبْتدعة لا يكفر، فكيف يكفر هذا؟

وبهذا يتَّضح لك أن التكفير ليس إلا (٢) للشُّهرة، فإن المنكر إذ ذاك كأنه مكذب، أو للشهرة مع النَّص، فلا يقال: كيف لا يكفرون من أنكر أن الإجماع حُجَّة، ويكفرون من أنكر المشهور؟؛ لأنا نقول: إنما كفرناه والحالة هذه؛ لأنه مكذب فهو خارج عن أهل القِبْلَةِ.

وأما من نازع في حجية الإجماع فلم يكذب الشَّارع فلم يخرج عن أهل القِبْلَةِ، ونحن لا نكفر أحدا من أهل القِبْلَةِ.

وبهذا تبيّن لك صحَّة قول الإمام في "المحصول" (٣): جاحد الحكم المجمع عليه لا يكفر خلافًا لبعض الفقهاء، واستدلّ بأن أدلَّة أصل الإجماع لا تفيد العِلْمَ، فما تفرع عنه أولى، ومنكر المظنون لا يكفر بالإجماع.

فعلم من هذا الدليل أن مراده: ما استفيد من الإجماع دون غيره، وإلا فالمشهورُ مستفادٌ معلوم من الدين، فليس من هذا القبيل.

وقوله: منكر المظنون لا يكفر بالإجماع، يعني: إذا لم يعتضد بإجماع.

أما إذا اعتضد به ففيه خلاف، ثم قال: وأيضًا فتقدير أن الإجماع قَطْعي، فليس العلم به داخلًا في ماهية الإسلام فلا يكون العلم بتفاريعه داخلًا فيه.


(١) في ت، ح:. العبادات.
(٢) في ح: لا.
(٣) ينظر: المحصول ٢/ ١/ ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>