قال: والله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس، فما يُسْمع بشر إلا وهو يتلوها. قال ابن إسحاق: ولَمَّا قُبِضَ رسول الله ﷺ انحاز هذا الحيُّ من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، واعتزل علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة، وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر، وانحاز معهم أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل، فأتى آتٍ أبا بكر وعمر فقال: إن هذا الحَيَّ من الأنصار مع سعد بن عبادة في "سقيفة بني ساعدة" قد انحازوا إليه، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله ﷺ في بيته لم يُفْرَغْ من أمره، قد أغلق دونه الباب أهله - قال عمر: فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار حتى ننظر ما هم عليه، فانطلقنا نَؤمُّهُمْ، حتى لَقِيَنا منهم رجلان صالحان، فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم، وقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ أفضوا أمركم، قال: فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في "سقيفة بني ساعدة"، فإذا بين ظهرانيهم رجل مُزَمَّل فقلت: من هذا؟ فقالوا: سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ فقالوا: وجع، فلما جلسنا تشهَّد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد نحن أنصار الله وكتيبة الإسلام؛ وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا، وقد دَفَّت دَافَّةٌ من قومكم قال: وإذا هم يريدون أن يجتازونا من أصلنا ويغصبونا الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلم وقد زورتُ مقالة في نفسي قد أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أُداري منه بعض الحد. فقال أبو بكر: على رسْلك يا عُمر، فكرهت أن أغضبه، فتكلم - وهو كان أعلم مني وأوقر - فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها في بديهة أو مثلها أفضل منها حتى سكت، قال: أَمَّا ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن تعرف العرب هذا الأمر إِلَّا لهذا الحي من قريش، أوسط العرب نسبا ودارًا، قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، ولم أكره شيئًا مما قال غيرها، كان والله أن أُقَدَّم فتضرب عنقي لا يقرِبني ذلك من إثم أحبَّ إليَّ من أن أتأمَّرَ على قوم فيهم أبو بكر، قال: فقال قائل من الأنصار: أنا جُذَيلُهَا المُحَكَّك، وعُذيقُها الْمُرَجَّب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، قال: فكثر اللَّغَط،=