للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ حَصَلَ بِالْقَرَائِنِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْلَا الْخَبَرُ لَجَوَّزْنَا مَوْتَ آخَرَ.

ونحن لا ننكر ذلك، وهذا كما تقول في المودع - إذا ادَّعى تلف الوَدِيعَةِ (١) بسبب ظاهر جهل - أنه يطالب بالبَيِّنة على أصل السبب، ثم يحلف على التلف به؛ لأن البيّنة (٢) أفادت أصل السبب، والحلف تعين التلف به.


(١) الوديعة لغة: فعيلة بمعنى مفعولة، من الودع، وهو: الترك، قال ابن القطاع: ودعت الشيء ودعًا: تركته. وابن السكيت، وجماعة غيره ينكرون المصدر والماضي من "يدع" وقد ثبت في "صحيح مسلم": "لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات" وفي "سنن النسائي" من كلام رسول الله : "اتركوا الترك ما تركوكم، ودعوا الحبشة ما ودعوكم" فكأنها سميت وديعة، أي: متروكة عند المودع، وأودعتك الشيء: جعلته عندك وديعة، وقبلته منك وديعة، فهو من الأضداد.
واصطلاحًا:
عرفها الحنفية بأنها: توكيل لحفظ مال غيره تبرعًا بغير تصرف.
وعرفها الشافعية بأنها: العقد المقتضى للاستحفاظ أو العين المستحقة به حقيقة فيها، وبتعريف آخر: توكيل في حفظ مملوك أو محترم مختص على وجه مخصوص.
وعرفها المالكية بأنها: مال وكل على مجرد حفظه.
وعرفها الحنابلة بأنها: اسم للمال المودع المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض. ينظر: الصحاح ٣/ ١٢٩٦، والمغرب ٤٧٩، والمطلع ٢٧٩، والإنصاف ٦/ ٣١٦، والشرقاوي على التحرير ٢/ ٩٦، ومغني المحتاج ٣/ ٧٩، وحاشية الدسوقي ٣/ ٤١٩، وكشاف القناع ٤/ ١٦٦، مجمع الأنهر ٢/ ٣٣٧، والفواكه الدواني ٢/ ٢٣٧.
(٢) البينة: الحجة فَيْعِلَة من البينونة، وهي الانقطاع والانفصال أو من البيان: هي اسم لكل ما يُبَيِّنُ الحق ويظهره، سواء أكان أمارات، أم قرائن، أم شهودا. ونحن إذا استقرينا الشرع وجدناه قد اعتبر الأمارات والقرائن، وأَقامَهَا مقام الشهود. يدل على ذلك: ما رواه ابن ماجه وغيره عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. قال: أَرَدْتُ السفر إلَى خيبر فَأَتَيْتُ النبي ، فقلت له: إِنِّي أُرِيدُ الخروج إلى خيبر، فقال: إذَا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وَسَقًا، فإذا طلب منك آية فَضَعْ يدك على تَرْقُوتِهِ. فهذا اعتماد في الدفع إلى الطالب على مجرد العلامة وَإِقَامَةٌ لها مقام الشاهد. وجعل معرفة الْعِفَاصِ وَالوِكَاءِ قائمة مقام البينة.
وورد في الصحيح: قوله في غزوة حُنَيْنٍ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَة فَلَهُ سَلَبُهُ" قال أَبُو قتَادَة.
فقمت فقلت: مَنْ يشهد لي بذلك؟ ثم جلست، ثم قال رسول الله : "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بيِّنة فَلَهُ سَلَبُهُ". فقمت، فقلت: من يشهد لي ثم جلست. ثم قال ذلك الثالثة، فقمت. فقال : "مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ "، فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله وسلب ذلك =

<<  <  ج: ص:  >  >>