التفكير الصحيح، كالغضب والجوع الشديد، والخوف، وضيق الصدر؛ لأن ذلك يمنع من الوصول إلى الحق غالبًا، والأصل في هذا قوله ﷺ: "لا يقضي حكم بين اثنين وهو غضبان". كما في البخاري، وكذا يجب عليه التسوية بين الخصوم في الكلام والاستماع، والنظر إليهما ونحو ذلك، ولو كان أحدهما مسلمًا والآخر كافرًا. واتخاذ كاتب عالم بطرق الكتابة عدل؛ ليؤتمن على كتابة الحق، وقيل: لا يشترط كونه عدلًا، واتخاذ مترجم عدل يترجم له ما لا يعرفه من لغات المتخاصمين، وإحضار شهود ليحفظوا الإقرارات التي تقع من الخصوم خشية جحدها، وليشهدوا على ما يحكم به؛ لأن حكمه لا يتم بلا شهود. ويجوز له اتخاذ حاجب وساع، وقد بندب هذا إذا كان في وجوده مصلحة؛ أو يجب. ويكره له الإفتاء فيما شأنه التخاصم فيه كالبيوع والجنايات؛ لأنه يؤدي إلى سوء الظن به والتكلم في شأنه؛ لأنه إن حكم بما أفتى به ربما قيل: حكم بذلك لتأييد فتواه، وإن حكم بخلاف ذلك لتجدد نظر، قيل: حكم بما لم يفت به. ويستحب له أن يأمر ذوي الفضل من أهل العلم والصلاح، والأقارب بالصلح فيما يتأتى فيه الصلح، لا في طلاق ونحوه؛ لأن الفصل في القضايا قد يتولد عنه حقد في النفوس، والأقارب. وذوو الفضل ينبغي إزالة الحقد من بينهم أكثر من غيرهم لشدة اتصالهم، وتأدية الحقد بينهم إلى مضار شديدة، كما يستحب له أن يفرد يومًا أو وقتًا للنساء، وأن يجعل مواعيد جلوسه للحكم معلومة؛ ليسهل الأمر علي الناس. وقد ذكر الفقهاء آدابًا تطلب منه في بدء ولايته، ومعظمها الآن لا يطالب به القاضي، وذلك كقولهم: يندب له أن يبدأ بعد توليه بالنظر في الشهود، ويثنى بالنظر في المحبوسين في الدعاوى للتحقيق، ويثبت بالنظر في الأوصياء، وبعده يكلف مناديًا ينادي بعدم معاملة المحجور عليهم. ثم بعد هذا ينظر في الضوال واللقطة، وبعد التفرغ منها ينظر في الخصومات العامة. فمن ينظر في هذه الأمور يجد أنها لا تتحقق إلا في قضاة العصور التي كان القاضي فيها ينظر في كل الشؤون، أما في هذه العصور التي وزعت فيها الأعمال على موطفين متعددين، فإن طلب هذه الآداب موجه إلى غير القضاة، فالنظر في الشهود المقامين لحفظ الإقرارات من اختصاص وزارة الحقانية. والنظر في المحبوسين للتحقيق من اختصاص النيابة وقضاة التحقيق والإحالة. والنظر في الأوصياء من اختصاص المجالس الحسبية، وتكليف المنادين أو النشر في الجرائد من عمل الوزارة، والنظر في اللقطة والضوال من أعمال الإدارة. وبالجملة فإنهم ذكروها من آداب القاضي؛ لأن عصرهم كان القاضي فيه ينظر في كل هذه=